إذا تركنا هذا كله وانتقلنا إلى ما ذكره الله تبارك وتعالى في القرآن,؛ فنجد القضية أولاً: تأتي في سياق تقرير توحيد الله عز وجل، وهذه أهم قضية في تاريخ البشر، وفي فكر البشر، وفي علم البشر.
تأتي القضية في بيان صبر الأنبياء أولي العزم وأولهم نوح عليه السلام.
تأتي هذه الأحداث في بيان قوة الله سبحانه وتعالى.
وتأتي في بيان إعذار الله تعالى للخلق؛ فإنه أعذرهم ولم يعذبهم إلا بعد هذه المدة الطويلة؛ ألف سنة إلا خمسين عاماً.
تأتي أيضاً لبيان تأسي الدعاة, إذ كيف لم يؤمن بنوح عليه السلام إلا قليل، وأكثر الناس أو البقية لم يؤمنوا، كل هذه وغيرها من العبر الكثيرة تأتي في القرآن فتبعدنا كثيراً عن قضية: في أي سنة؟ وفي أي يوم؟ وكيف حصل؟ وما أسماء الحيوانات؟
التفاصيل التي ليس لها دلالة وليس لها عبرة في هذا السياق؛ -وليس في القرآن شيء إلا بحكمة- (( إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ ))[نوح:1], لاحظ (قومه) و(قومك) هذه لم تأت عبثاً؛ بل لتؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم هو وحده للناس كافة، ومع ذلك فإن هذا لا يعارض ولا ينفي أن يكون الغرق عم جميع الأرض، ثم من بعد ذلك يكون (( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ))[الصافات:77]؛ لتكون البشرية بالفعل من ذرية نوح عليه السلام، فهو الأب الثاني للبشرية لا على السلالة التي ذكرتها التوراة بالتفصيل، ولو بعد قرون من نجاة من آمن معه؛ لأن هذا معروف في علم الأنساب، مثلاً: الإسماعيلية انتشرت حتى طغت أو كادت تطغى، بينما نجد أن العرب القديمة طسم وجديس وأمثالها فنيت ولا وجود لها، فيمكن أن تفنى أجيال وتبقى أجيال؛ بحيث كل من بقي بعد ذلك من ذرية نوح عليه السلام.
القصة ملأى بالعبر، وملأى بالأحداث, وتحتاج إلى استنباطات كثيرة ليس المجال مجال الحديث فيها، لعل فيما أشرنا إليه أيها الإخوة والأخوات! ما يكفي للوصول إلى المقصود في بيان منهج المعرفة الصحيح، وأين هي الحقيقة بالفعل في هذه القضية التي شغلت ولا تزال تشغل أذهان البشرية منذ قديم الدهر إلى حديثه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا وإياكم للحق ويدلنا عليه, ويرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه إنه على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.