قال رحمه الله:
[فإذا كان الإيمان أصلاً له شعب متعددة، وكل شعبة منها تسمى: إيماناً؛ فالصلاة من الإيمان، وكذلك الزكاة والصوم والحج، والأعمال الباطنة، كالحياء والتوكل، والخشية من الله والإنابة إليه، حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطريق، فإنه من شعب الإيمان]. إذاً كل عمل من أعمال هذا الدين فهو جزء من الإيمان، يقول:
[وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها].وهذا هو المقصود كونه ركناً، إذ الركن الأول والأعظم من أركان الدين يزول الإيمان بزواله، يقول:
[كشعبة الشهادة]، وهي أوضح مثال، وإلا فالصلاة أيضاً، لأنه من لم يصل لله تبارك وتعالى ركعة ولا سجدة؛ فإن هذا لا يكون مؤمناً قط، فهذا بالنسبة للأركان التي يزول ويذهب الإيمان بذهابها. يقول:
[ومنها ما لا يزول بزوالها، كترك إماطة الأذى عن الطريق]. وهو الذي عبرنا عنه بأنه الكمال المستحب، أي: ما بين أعلى شعب الأركان وأدنى شعب المستحب شعب كثيرة، فبقية البضع والسبعين أو البضع والستين هو بين هاتين الشعبتين، فهو لا بد أنه أقل من الشهادتين وأعلى من إماطة الأذى عن الطريق. يقول:
[وبينهما شعب متفاوتة تفاوتاً عظيماً، منها ما يقرب من شعبة الشهادة -مثل: الصلاة- ومنها ما يقرب من شعبة إماطة الأذى، وكما أن شعب الإيمان إيمان، فكذا شعب الكفر كفر]. إذاً: لا الإيمان شيء واحد، ولا الكفر شيء واحد، بل هذا له شعب وذاك له شعب، وهذا وذاك يزيد، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: ((
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ))[التوبة:37]، فهم كفار؛ لأنهم لا يؤمنون بالله، ولا يخلصون في عبادة الله، ولم يتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: (زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ)، أي: أنهم يشرعون فيحلوا ما حرم الله، أو يحرمون ما أحل الله، ولذلك الذي لا يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم يكون كافراً من آحاد الكفار من أهل الكتاب والمشركين، فإذا صار زعيماً من زعماء الكفر، فإنه يشرع لهم الكفر، ويدعوهم إليه، ويحارب المؤمنين بهم، وبالتالي يصبح طاغوتاً، والطاغوت أكثر بمجرد أنه كافر؛ لأنه يشرع الكفر ويأمر به ويحض عليه ويدعو إليه، ومن هنا يزيد الكفر وكذلك الإيمان، وقد يكفر الإنسان؛ لأنه لم يؤمن بالله، أو لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان من كفار قريش من هو كافر؛ لأنه لم يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أوضح الأمثلة على ذلك:
أبو طالب ، لكن يزداد في الكفر إذا حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل
أبو جهل .