سوف نتناول الحديث عن الأثر المنطقي من خلال هذه الحقائق:
1- أن المنطق وجد -أول ما وجد- لمواجهة السفسطة؛ تلك اللوثة التي أصابت الفكر اليوناني بعد أن أتخمت الجاهلية اليونانية بضروب من الفلسفات المتناقضة، فجاءت السفسطة لتوجه معولها لهدم المعرفة العقلية من أساسها، وذلك بإنكار حقائق الأشياء وبداية المعارف، والتصريح بأن كل الأحكام العقلية نائشة من تصورات ذاتية محضة ليس لها أصل موضوعي، أو هي على الأقل يمكن أن تكون كذلك.
2- لما كان المنطق هو رد الفعل لهذه اللوثة كان طبيعياً أن يصب اهتمامه على إثبات حقائق الأشياء، فابتدأ بإثبات الحقائق الكلية المجردة توصلاً بها إلى إثبات الأجزاء والأعيان خارج الذهن، كما وضع قوالب عقلية خاصة تستخدم للحكم على الأجزاء، وذلك عن طريق إثبات أحكام كلية، ثم الحكم على الجزء بحكم الكل.
ومن هنا انحصرت مباحث المنطق في مبحثين:
أ- الحدود التي بها يعرف حقائق الأشياء (التصورات) .
ب- القياس الذي به يتوصل إلى معرفة حكم الأشياء (التصديقات).
3- اقتضى الأمر في مبحث الحدود -وهو المبحث الذي يهمنا هنا- تحليل عناصر الأشياء والمسميات لمعرفة صفاتها الذاتية -الداخلة في الماهية- والعرضية -الخارجة عن الماهية- لكي يتم التوصل إلى تحديد الذات وتصورها في ذاتها، أي مجردة عن الأعراض فوضعت ألفاظ كلية عامة تتألف منها الحدود وهي الكليات الخمس : الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام.
فالجنس: هو جزء الماهية المشترك بينها وبين غيرها [ المشترك الذاني ].
والنوع: هو تمام الماهية.
والفصل: هو المميز الذاتي.
والخاصة: هي المميز العرضي.
والعرض العام: هو المشترك العرضي.
فحقيقة النوع: هو الشيء المعرف نفسه (الموضوع)، كلفظ (الإنسان) في سؤال: ما الإنسان؟ وجوابه الذي هو (حيوان ناطق) هو ماهية الإنسان وعين حقيقته -عندهم- وهو مركب من الجنس (حيوان) الفصل ناطق.
فيقولون للسفسطي: إن تصور حقيقة الإنسان يحصل بهذا الحد، ومن ثم تكون القضايا الآتية كلها صحيحة:
1- كل إنسان حيوان ناطق.
2- كل حيوان ناطق إنسان.
3- كل ما ليس إنساناً ليس حيواناً ناطقاً.
4- كل ما ليس حيواناً ناطقاً ليس إنساناً.
وقضايا أخرى مبنية كلها على أنه حيثما وجدت الحيوانية والناطقية، وجدت ماهية الإنسان وحقيقته، وحيثما فقدت فلا إنسان.
فإذا أنكر السفسطي أن يكون زيد من الناس إنساناً، وقال: قد يكون زيد هذا جبلاً أو شجرة أو عدماً، ألزموه بهذه الأحكام الكلية على الإقرار بأن زيداً إنسان!! فهذا مبلغهم من العلم في الرد على أولئك المرضى، والحمد لله على ما مَنَّ به على أمة الإسلام من نعمة العقل والفطرة السليمة.
وبسبب هذا الرد على منكري الحقائق فَخِر مناطقة اليونان على سائر فلاسفة الدنيا وتبعهم عليه من تبعهم، ولو وقف المناطقة عند هذا لربما هان الأمر، ولكنهم غلوا في تقدير منطقهم حتى أفضى بهم الغلو إلى القول بتحكمات لا صحة لها، يهمنا منها:
1- قولهم بوجود المعاني الكلية المجردة -أي: الماهيات المطلقة من كل قيد ونسبة- في الواقع - أي: خارج الذهن.
2- قولهم بأن التصورات لا تنال إلا بالحدود فقط.
ولسنا في مقام نقد أصول المنطق وإنما ينحصر غرضنا في الكلام عن تعريف الإيمان حسب قواعده وما رتب عليه من نتائج، ولهذا سنتقتصر على بحث قضايا أساسية تتعلق جميعها بموضوع النوع؛ لأنه هو الشيء المعرف كما سبق.
وهذه القضايا هي:
1- كون الغرض من التعريف هو تصور الحقيقة والماهية.
2- وجود الأنواع خارج الذهن.
3- تماثل أفراد النوع في الحقيقة والماهية.
  1. القضية الأولى

  2. القضية الثانية: وجود الأنواع خارج الذهن

  3. القضية الثالثة: تماثل أفراد النوع في الحقيقة والماهية