المادة    
قال رحمه الله: [وحاصل الكل يرجع إلى أن الإيمان: إما أن يكون ما يقوم بالقلب واللسان وسائر الجوارح كما ذهب إليه جمهور السلف من الأئمة الثلاثة وغيرهم رحمهم الله كما تقدم، أو بالقلب واللسان دون الجوارح كما ذكره الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله، أو باللسان وحده، كما تقدم ذكره عن الكرامية ، أو بالقلب وحده، وهو: إما المعرفة كما قاله الجهم أو التصديق كما قاله أبو منصور الماتريدي رحمه الله. وفساد قول الكرامية والجهم بن صفوان ظاهر].
إن الأقوال في هذه المسألة كثيرة، وحاصل هذه الأقوال: هو النظر إلى الإيمان من خلال أعضاء الإنسان، وماذا جعلته كل فرقة أو كل قول من هذه الأقوال بالنسبة لأعضاء الإنسان كاللسان أو القلب مثلاً؟ فمنهم من جعله على عضوين كالقائلين باللسان مع القلب، ومنهم من جعله على الجوارح جميعاً، وبهذا التقسيم نستطيع أن نعرف حقيقة الخلاف بين المذاهب، ونستطيع أن نعرف مدى الغلو عند المذاهب عندما نقول: المرجئة الغلاة أو الجهمية، فإن هذا من ضوابط معرفتنا؛ لأن هؤلاء الغلاة أو الجهمية يحصرون الإيمان في عضو واحد من أعضاء الإنسان: إما اللسان وإما القلب، والقلب فيه قولان: إما المعرفة، وإما التصديق، ثم الذين دونهم وهم مرجئة الفقهاء ؛ فيجعلون عضوين: الإقرار باللسان والتصديق بالقلب، أما أهل السنة والجماعة فيجعلون الإيمان شاملاً لأعضاء الإنسان، ومن تأمل الحقيقة يجد أن هذا القول هو الذي يجب أن يقال به، وليس شرعاً فقط، بل إن العقول السليمة لو تأملت لوجب أن تقول بما قال به أهل السنة والجماعة ؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما خلق العباد ليعبدوه وليوحدوه، وهذا التوحيد وهذه العبادة هي الإيمان الذي أمر أن يكون خالصاً له وحده، فقال تعالى: (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ))[البينة:5]، فحقيقة التوحيد هي: (( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))[الأنعام:162]، فيجب أن تكون حقيقة الإيمان -وهي مأخوذة من مفهوم الإسلام- هي الانقياد بكل الأعضاء لله تبارك وتعالى، قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ))[البقرة:208]، والسلم في الآية: هو الإسلام، أي ادخلوا بكليتكم -كما فسرها السلف- في الدين كله، وبالتالي لا ينقاد منك أعضاء وأعضاء أخرى لا تنقاد، ثم إن هذا الدين دين التوحيد، فلا يصح ولا يستقيم حال الإنسان إذا كانت أعضاء أو أجزاء منه تتحرك في اتجاه وأعضاء أو أجزاء تتحرك في اتجاه آخر؛ لأن حقيقة التوحيد والإيمان أن تكون النفس البشرية، أو أن يكون الإنسان قلباً وقالباً متجهاً اتجاهاً واحداً في طريق واحد وفي عمل واحد، أما أن يؤمن اللسان، أو يؤمن القلب وتكفر الجوارح، أو العكس، فهذا لا يستقيم ولا يعد إيماناً، إذاً حقيقة الإنسان أصلاً لا تكون إلا كذلك، ولذلك الإنسان من خلال عمله إنما يعمل وفق ما يعتقد، ومستحيل أن الإرادة الكاملة الجازمة في داخل الإنسان تريد شيئاً وتتحرك الأعمال الجوارح في اتجاه شيء آخر، وأقرب مثال إلى ذلك: ما نشاهده الآن من منتجات العلم، كالسيارات أو أي آلة من الآلات، إذ إنه يحترق الوقود فتتحرك الآلة، فهل يمكن أن يتحرك هذا في جهة وتكون حركة الجسم أو الهيكل بالعجلات في جهة أخرى؟! لا يمكن، وهكذا الإيمان فهو الطاقة والمحرك في القلب، والأعضاء تحقق وتنفذه، وهذه حقيقة الإنسان، فكيف يكون عضواً لله سبحانه وتعالى، أو يقال: إن هذا العضو مؤمن، أو يتمثل فيه الإيمان والأعضاء الأخرى ماذا تعمل؟!
  1. العمل وفق الإيمان والاعتقاد

  2. الأعمال نتائج الأفكار

  3. التفريق بين المرجئة والمرجئة الغلاة في كلام السلف