قَالَ المُصنِّفُ رحمه الله تعالى:
[ومضى عَلَى ما كَانَ عليه الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير القرون، وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان، يوصي به الأول الآخر ويقتدي فيه اللاحق بالسابق، وهم في ذلك كله بنبيهم مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقتدون، وعلى منهاجه سالكون، كما قال تَعَالَى في كتابه العزيز: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي))[يوسف: 108]، فإن كَانَ قوله ((أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)) معطوفاً عَلَى الضمير في "أدعو" فهو دليل عَلَى أن أتباعه هم الدعاة إِلَى الله وإن كَانَ معطوفاً عَلَى الضمير المنفصل فهو صريح أن أتباعه هم أهل البصيرة فيما جَاءَ به دون غيرهم، وكلا المعنيين حق] إهـ.
الشرح:
يقول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: مضى عَلَى الاعتقاد الصحيح -في حق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصحابه خير القرون، كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [يوسف:108] ويذكر المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ في هذه الآية معنيين، بحسب الوقوف.
فإذا قلنا: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ)) فوقفنا ثُمَّ قلنا ((عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)) فهذا له معنى، أي: أنا ومن اتبعني عَلَى بصيرة، وغيرنا ليس لديه بصيرة، فالمعنى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن يقول: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ))، ثُمَّ يخبر فَيَقُولُ: ((عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)) أي نَحْنُ الوحيدون الذين عَلَى بصيرة، لأن منهجنا هو الحق،وأما غيرنا فهو عَلَى ضلال.
وإذا قلنا: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)) دون وقوف فهذا له معنى آخر، أي: أنا ومن اتبعني ندعو إِلَى الله عَلَى بصيرة لا عَلَى جهل. وكلا المعنيين لهما مدلول واضح وجيد.
وإن كَانَ المعنى الثاني هو الأظهر، وهو المتبادر؛ لأن معناه: ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)) أي: إنني وأتباعي المؤمنون بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ندعو إِلَى الله عَلَى بصيرة، وغيرنا يدعو إِلَى الله؛ لكنه لا يدعو إِلَى الله عَلَى بصيرة، فإن أحبار اليهود ورهبان النَّصَارَى يدعون إِلَى الله -كما يظنون-، لكنهم لا يدعون إِلَى الله تَعَالَى عَلَى بصيرة، وإنما يدعون إِلَى الضلال والشرك بالله. وكم تبذل الكنيسة من الأموال ومن الجهود من أجل الدعوة إِلَى دينهم، عَلَى غير بصيرة.