الدعوة: فضيلة الشيخ الدكتور سفر الحوالي أحد المفكرين الذين لهم اهتمامات بدراسة الحضارات ودورها وعوامل التأثير حولها، كما أنه راصد ثاقب للتحولات الفكرية التي يشهدها العالم.. وقد تحدث في هذا اللقاء عن الحضارة الإسلامية وحجم تأثيرها على الغرب خلال عدة قرون، كما تحدث عن ضعف وإفلاس الحضارة الغربية، كما سلط الضوء على التبدلات التي يشهدها الغرب على كافة المستويات، وهناك جوانب أخرى شهدها اللقاء التالي:
الدعوة: يرجع الفضل للحضارة الإسلامية في أوروبا إلى التقدم الحالي فيها.. ما تعليقكم؟
* نستطيع الإجابة عن هذا التساؤل من خلال استقراء التاريخ، وبيان فضل الحضارة الإسلامية، وذلك أنه في المرحلة التاريخية للعصور المظلمة في أوروبا والتي تمتد قرابة ثمانية قرون لم يكن لدى أوروبا مركز حضاري يمكن أن يسمى (مدينة) بالمفهوم السائد عن المدن فيما بعد، وأكبر ما كانت تعرفه هو بيزنطة وروما اللتان لم تكونا سوى قريتين متأخرتين؛ إذا قورنتا بالمدن الإسلامية العالمية آنذاك بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة.
كما لم يؤلف في أوروبا خلال تلك الحقبة الطويلة كتاب علمي على الإطلاق, في حين نجد الواحد من علماء المسلمين يكتب العشرات, وربما المئات من المصنفات في فنون المعرفة جميعها؛ من الفلك, إلى الطب, إلى التاريخ والأدب, وسائر الفنون.
وإذا كانت أوروبا تعد ظهور ترجمة كتب أرسطو بداية الخروج من عصر الظلمات, فإن الفضل عليها في ذلك يرجع إلى رجل ليس أوروبيًّا ولا نصرانيًّا, وهو ابن رشد المتوفى سنة (1198م).
وظلت كتب علماء الإسلام في الطبيعة والطب وغيرها تدرس في أوروبا حتى القرن الثامن عشر.
وكان الفضل في النهضة الأوروبية للحضارة الإسلامية, ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو مكابر, والحضارة الإسلامية لا تدخل بلدًا إلا أحيتها، بل ترجو كل أمة أن تبقى تحت سلطة الدولة الإسلامية ونفوذها وتعد ذلك عصرها الذهبي.
وهذا ما حدث في الهند أكثر من ثمانمائة سنة, وفي صقلية مائتين وخمسين سنة.
إن الغرب يدرك جيّدًا قيمة الحضارة الإسلامية، ولك أن تتخيل كيف كان ملوك الفرنجة يسعون إلى تقليد حكام المسلمين حتى في لباسهم.
إن الحضارة الإسلامية لا تدخل بلدًا وينتهي أثرها؟ لا، بل يستمر الأثر، وتبقى لمسات جمال وروعة الحضارة الإسلامية, وتبقى قيمه الخالدة وآثار التوحيد الخالص على أهلها.