حين تنتصر إرادة الحياة على الاستسلام للموت ــ والموت هنا هو حب الدنيا وكراهية الموت ــ فإن ذلك يبشر بأن فجرًا جديدًا قد أشرق، ومرحلة جديدة قد بدأت، وهذا ما تلوح أعلامه في أفق أمة الإسلام العظيمة المباركة، فهؤلاء أبناؤها يسعون إلى توحيد الصف، ويتسابقون إلى ميادين الجهاد.لقد نهض العملاق من سباته نافضًا عنه غبار عهود من الاختلاف والتخلف قائلًا بملء فيه: (اللهم إني أبرأ إليك مما فعل هؤلاء الكفار، وأعتذر إليك مما فعل هؤلاء)، وأخذ يشق طريقه إلى الميدان, فلا قرّت أعين أئمة الكفر وجبابرة الاستكبار، ولا أتم الله فرحهم بما يظنونه من انتصار.إن طريق النصر والكرامة طويل وشاق، ولكن من حق هذه الأمة أن تفرح بإنجاز أول مراحله وأهمها هي: مرحلة الاستيقان بأن الحق والباطل لا يجتمعان، وأن الكفر مهما هادن أو داهن لابد أن يكشف عن وجهه القبيح وعدائه الصريح. فيما مضى صدّق كثير من المسلمين مقولة الفكر الغربي اللاديني عن انقضاء عصور الدين والعصبية الدينية والحروب الدينية، وولادة مرحلة العقلانية والإنسانية، مثلما صدّق الأوروبيون قبل قرن من الزمان بأن التقدم قدَرٌ كوني، وأن العالم يسير نحو الفردوس الموعود في هذه الأرض، ولم يفيقوا من هذا الحلم حتى نشبت في عقر دارهم الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، وهكذا جاءت الحملة الصليبية الجديدة على العالم الإسلامي لكي تفيق الأمة الإسلامية من غفلتها، وتسعى لمقاومة عدوها إما طوعًا وإما كرهًا:أما طوعًا: فإن الطائفة المنصورة من هذه الأمة لم تصدق أبدًا أن سنن الله الثابتة في الكون تتغير أو تتبدل ((
وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا))[البقرة:217]، ((
وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا *
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا))[الفتح:22-23].هذه الطائفة كانت تؤمن ــ ولا تزال ــ بأن حديث الحكومات الغربية عن النظام العالمي والسلام العالمي والأسرة الدولية الواحدة, ما هو إلا شعاراتٌ خادعةٌ يروِّج لها الأقوياء، ويصدقها الضعفاء والأغبياء في الشرق والغرب، وكانت تعلم أن الحضارة الغربية والنظام المعرفي الغربي قام أصلًا على عقيدة (أن الحياة صراع، والبقاء للأقوى)، وأن الروح الصليبية تكمن تحت رماد تلك الشعارات الإنسانية!!.وأما كَرهًا: فإن كثيرًا من المسلمين لم يصدقوا أو لم يريدوا أن يصدقوا أن تماثيل الحرية والتقدمية والإنسانية... إلخ تتهاوى على يد القوى التي صنعتها ونصبتها، وكانت تحوطها بالبخور والستور.بينما هؤلاء المخادعون يتساءلون: أفي عصر الأمم المتحدة, والشرعية الدولية، ومبادئ حقوق الإنسان، وسائر الدعاوى المبهرجة تعود الجماعة البشرية إلى عصور الغاب، وتعيد تاريخ العداوات الدينية الطويل؟ بينما هم يفركون أعينهم، ولا يريدون أن يصدِّقوا ما يرون، انقض عليهم العدو كاشفًا عن أقنعته, مكشرًا عن أنيابه، فقضى على كل تساؤل, وحطم كل تفاؤل.وهكذا وجدوا أنفسهم مدفوعين للسير مع إخوانهم من الطائفة الأولى الذين يؤمنون أنه لا عزّ لهذه الأمة ولا كرامة إلا ببذل الروح والمال والمقال، جهادًا في سبيل الله وصحبه الكرام ــ رضي الله عنهم ــ على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم.ومِن يقين الأمة بأن النصر له شروط وأسباب، ومِن عِلمها أن أول خطواته هو اجتماع الكلمة وتوحيد الصف انطلقت هذه الحملة المباركة ــ بإذن الله ــ لتكون سندًا للمرابطين على الثغور، وتذكيرًا لسائر الأمة بما يجب عليهم من النصر في الدين، ولتكون منبرًا لكشف مكر العدو, وبيانًا لسعة المعركة وشمولها واستمرارها.وإن مما يجب أن يقال: إن هذه الحملة ليست غاية في ذاتها؛ بل وسيلة إلى ما هو خيرٌ منها من الوسائل, وأنها ميدان للتشاور، وليست مصدرًا للإملاء, وإننا لندعو كل من لديه رأي أو مشورة لتطويرها وتوسيع أهدافها أن يوافينا به مشكورًا مأجورًا بإذن الله، ((
وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ))[الحج:40-41].