هذه المرجعية تتمثل في الوحي الرباني المحفوظ من التحريف، وهو ما لا يوجد إلا في الإسلام -والإسلام وحده- لأنه دين الأنبياء جميعاً ورسالة الله إلى البشر جميعاً، وفي ظل شريعته تتحقق الحرية والعدالة والمساواة بكل ضوابطها وحدودها، وفي أرقى صورها وتطبيقاتها، دون أن يعني ذلك التطابق بين واقع المسلمين وحقيقة الإسلام، فنحن نؤكد التباين بينهما لا على الأساس الذي انتهجه الخطاب في التفريق بين (المسلمين) و(الإسلامويين) بل على أساس أن النفس البشرية مشدودة إلى الأرض ما لم يرفعها الإيمان إلى السماء.
نحن هنا لا نتحدث عن قومية كما فعل الستون؛ بل عن دينٍ عالمي هو أكثر الأديان انتشاراً في رقعة المعمورة.
لقد قالوا: إن في إمكان كل أحد أن يصبح أمريكياً لكن الواقع لا يخفى على أحد!!
أما الحق فهو أن بإمكان كل أحد أن يصبح مسلماً، وهذا هو الرباط الحقيقي الذي يمكن أن يجتمع عليه كل بني البشر.
إن قيم الإسلام هي القدر المشترك بين إيجابيات كل الحضارات، ليس ذلك بسبب وجود التأثير الإسلامي على معظم الحضارات العالمية المعروفة فحسب؛ بل لأن الدائرة الإسلامية مهما اتسعت لا تدعي أبداً احتكار الحق أو العدل لمن هم داخلها كما يتوهم كثيرون في الغرب -ربما بناءً على أخطاء بعض المسلمين في فهم الإسلام وتقديمه-؛ بل هي تعلم عن يقين أن من قواعد الشريعة أنه حيث كان العدل فثم شرع الله، وأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
إن أعظم الحقائق في الإسلام هي توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، ومع ذلك فإن العقيدة الإسلامية واضحة وقاطعة في أن ذلك هو دين الأنبياء -جميعاً- ودين إبراهيم عليه السلام بصفةٍ خاصة، وليس محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا مجدداً وشارحاً لملة أبيه إبراهيم.
ومن هنا لم يتحرج فقهاء الإسلام بل الخلفاء الراشدون من الإفادة من أي مصدر كان، بل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرر حكماً شرعياً -مخالفاً لما كان عليه العرف العربي- استناداً إلى أن الروم وفارس يفعلونه .
وهكذا كتب الفقهاء المسلمون المصنفات الطويلة المفصلة عن الحرب وأحكامها مستندين إلى آيات من كتاب الله وأحاديث عن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونماذج عملية من السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين الذين لم يشهد تاريخ البشرية بعد حكم الأنبياء حكماً أعدل من حكمهم.
وكان الانفتاح الهائل للحضارة الإسلامية متجاوزاً كل الحواجز التي لا تزال الحضارة المعاصرة تتعثر في أغلالها، فلم يكن هناك من التمييز العرقي أو قوانين الهجرة والسفر، ما يمنع وفداً وثنياً تركياً من أواسط آسيا من إقامة الدعوى لدى الخليفة في -دمشق- على قائد الجيش الإسلامي الفاتح لبلاده، وقبله قدم قبطي إلى المدينة ليشكو الخليفة الراشد الثاني ابنه، وفي كلا الحالتين صدر الحكم لصالح المدعي!!
وليس العجب أن تقع هذه القضايا -وأمثالها كثير-؛ بل العجب أن الناس في تلك العصور لم يعودوا يعجبون لحدوثها؛ لأن ما رأوه وسمعوه عن عدل الإسلام جعلها حوادث مألوفة.
  1. أين قيمكم ؟!

  2. المجتمع الإسلامي كله منظمة لحقوق الإنسان