النظرة لتاريخ النشأة بين العرب والغرب
قبل أن نأتي بالقول الفصل من الكتاب والسنة, الشيء الذي يلفت نظر أي باحث تاريخي أن العرب أقرب إلى تصور الحقائق, يعني: حتى الأساطير العربية التي يمكن أن نسميها أساطير, أو حتى المخالفات العقدية العربية, أو حتى الأخطاء في الاعتقادات أو الأخطاء في المعقولات عند العرب؛ نجد أنها أقل، وأنها أقرب من الشطح الذي كان يشطح به الغربيون.وهنا ننبه إلى قضية أن أكثر الغربيين -كما ذكر ديورانت وغيره- لا يعرفون من التاريخ إلا عصر اليونان وعصر الرومان، وعلى هذا درجت أكثر الكتب التاريخية الغربية، فعندما يقولون: الحضارة البشرية أو الحضارة الإنسانية فإنهم يتكلمون عن الرومان واليونان فقط، ومعروف لدينا بما يشبه الإجماع أن اليونان الإسكندر الكبير هو الذي شهر أمرهم، فـ الإسكندر الكبير -قبل المسيح عليه السلام بثلاثة قرون وشيء, يعني: ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين تقريباً- كان الفتح الأكبر له, وتوفي في هذه الفترة؛ فهو عهد بسيط جداً، وأقدم من بحث من علماء اليونان القدامى الذين وُجد لدينا شيء من آثارهم لا يتعدون أيضاً القرن السابع قبل الميلاد، هذا عمقهم التاريخي. ثم أول حاكم روماني حكم وأقام دولة الرومان هو أغسطس كان معاصراً للمسيح عليه السلام, يعني: ولد المسيح عليه السلام في عصره بعد انتحار كليوبترا في مصر .إذاً: هو تاريخ حديث, ونظرتهم إليه حديثة جداً، وعندما يمتد هذا التاريخ من ستمائة قبل الميلاد أو ثلاثمائة قبل الميلاد ليصبح ثلاثة آلاف أو حوالي أربعة آلاف فهو يعتبر كبيراً جداً، يعتبر إنجازاً هائلاً جداً حققه العلم؛ لكن لا تزال المشكلة لديهم؛ وهي: أن تناقض النسخ التوراتية، وتداخل الأسماء التي ذكرت فيها, وعدم دقتها في تحديد المدة، بالإضافة إلى أن العصور الجيولوجية المتعاقبة والسجلات الجيولوجية والأحافير وما أشبه ذلك؛ زادت مسافات هائلة جداً أنه لا يمكن أن يكون الكون خُلق عام أربعة آلاف قبل الميلاد أو حول ذلك، وإنما ملايين؛ بل مليارات من السنين كما ذكرنا.نرجع للعرب, نقول: شيء جيد حقيقة أن يعلم أن التفكير لدى العرب أقرب، سواء سبب ذلك هو الوحي -لديهم مصدر من الوحي لم يشوه كثيراً- أو سبب ذلك أن العربي بفطرته بعيد عن التعقيدات المنطقية والحضارية الأخرى، أو أن التفكير العربي تفكير يميل إلى التصديق بالحقائق، ولا يتعمق كثيراً فيما لا يعرف -كلها ميزات على أية حال-.العرب عندهم شيء بدهي جداً في تاريخهم القديم؛ وهو: أن هناك عرباً قديمة عاربة -العرب البائدة - وهناك العرب المستعربة.إذا كان الأوربيون يبدأ تاريخهم من الإسكندر , يعني: قبل المسيح عليه السلام بثلاثة قرون؛ فإن العرب يبدءون التاريخ الحديث لهم بإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام! فكل العرب التي يقال لها: المستعربة, أو التي منها كنانة التي اصطفاها الله سبحانه وتعالى من بني إسماعيل، ثم اصطفى من كنانة قريشاً، ثم اصطفى من قريش محمداً صلى الله عليه وسلم، كل هؤلاء ذرية إسماعيل عليه السلام.وهنا يتطابق ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح كتاب الأنبياء من صحيح البخاري -أحاديث الأنبياء- أن بين المسيح وإبراهيم عليه السلام ألفين سنة, يعني: بين إبراهيم الخليل والمسيح مدة، هذه المدة طولها ألفان سنة، وكذلك تقريباً علم الآثار يؤكد هذا؛ أي: أن المدة بينهما ما بين ألف وثمانمائة إلى ألفين سنة. المقصود فرق هائل جداً، فلاحظ أن التاريخ الحديث للعرب الحديثة يبدأ من ألفين، بينما التاريخ كله عند الأوربيين يبدأ من ثلاثمائة قبل الميلاد -التاريخان كلاهما-.وهذا فرق كبير جداً في طريقة التفكير، وفي تناول الموضوعات, وبالتالي نحن المسلمين عندما نتكلم عنها نجد بديهية؛ فإذا تكلم أحد عن عاد وعن ثمود وهي من العرب البائدة فإن ذلك عادي جداً! ولو قال أحد: يمكن أن يكون تاريخها سبعة آلاف سنة أو ثمانية آلاف سنة أو خمسة آلاف سنة؛ فإذن ذلك ممكن, فليس في الأمر غرابة، ولا يثير أي إشكال.بمعنى آخر: أن الطفل المسلم الذي لم يبلغ حتى المرحلة الابتدائية -وهذا من أيام نزول القرآن إلى الآن- هذا الطفل يقرأ سورة الفجر مثلاً: (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ ))[الفجر:6-10].هنا ترتيب تاريخي وحقائق وعجائب في جزء عم, وقصة أصحاب الفيل، فعندما يعرفها هذا الطفل المسلم أو العامي البدوي من المسلمين، ونحن نعلم أن أكابر العلماء الأفذاذ -كما قرأنا كلام بعضهم- اعتبروا معرفة أن هناك حضارة تمتد إلى ألفين سنة أو أكثر، وعندما اكتشفوا ما في جنوب العراق واكتشفوا حجر الرشيد؛ اعتبروا هذا فتحاً هائلاً جداً، وفخروا به، ولا يزال المتعمقون في هذا العلم في أمريكا و أوروبا يعتبرون من المتخصصين النادرين والعباقرة الكبار، وهناك مؤسسات مثل مؤسسة روكفلر مثلاً تنفق ملايين من الدولارات من أجل الكشف عن هذه الآثار, وإمداد هؤلاء العلماء والباحثين بهذه المبالغ والإمكانيات؛ لأنهم يرون أهمية كشف هذا الأمر. أقول: نحن حتى الآن لم نأت على النظرة الإسلامية لهذه الأمور، بل نحن فقط نقارن بين النظرة العربية العادية التي يراها البدوي العادي, والتي يراها العربي العادي حتى قبل الإسلام؛ فنجد أن هناك فرقاً كبيراً في المدى التاريخي.وعندما نقول ذلك فمعناه: أن الأمة التي مداها التاريخي أوسع وأعمق؛ هي أعمق فكراً، وأبعد نظراً، وأصدق في رؤيتها للأحداث، وفي سير الأمور، وفيما يمكن أن يستفيده الإنسان ويتعلمه من التاريخ، وهو الشيء الكثير جداً جداً.