توضيح المراد من ذكر الوحي المحرف لقاء إبراهيم بملكي صادق
لا نستطيع في هذا اللقاء وقد اقترب الوقت على الانتهاء أن نكمل قصة ملكي صادق ؛ لكن نشير إلى أمر مهم، وهو أنه كما قلنا: عندما يحرص اليهود المحرفون أن يتعمدوا مسألة الأرض والوعد فجاءت هنا -وربما تكون هي سبب وضع الأمر كله- أن ملكي صادق عندهم هو ملك الصدق وملك السلام؛ فبما أن الصدق والسلام متقاربان فإذاً: يكون ملك سالم أو سلام، فإذاً قالوا: هو ملك أورسالم أو أورشليم؛ فإذاً يكون هو ملك القدس.فكأن ذلك أيضاً يقربهم إلى مسألة دعوى أن إبراهيم عليه السلام أُعطي الوعد له ولذريته, وأن العهد قديم, وهذا نرد عليه ببساطة نقول: إن في ذلك الوقت لم تكن قد بُنيت القدس , وهذا تقريباً كل المؤرخين يجمعون عليه؛ أن الأمة التي كانت تسكن في تلك المنطقة كانوا يسمون: اليبوسيين, وأن المسجد الأقصى أول ما بني وأصبح القدس قدساً كان بعد ذلك بحين, فيقول بعضهم: إنه في أيام سليمان, ونحن نقول: لا, بل إن أول من بناه إسحاق, وقد يكون في حياة أبيه إبراهيم عليه السلام بعد بناء الكعبة بأربعين سنة, وهذا منصوص عليه في صحيح البخاري . المقصود: أنه لا يمكن أن نطابق بين ملكي صادق وقضية أورشالم وأورشليم إلا على الهوى والمزاج الكتابي اليهودي، الذي يحاول أن يحرف أو يختلق ما يؤكد الوعد بأن هذه القدس قديمة, وأنها موعودة منذ القدم, وأنها هي بشكل عنصري لإبراهيم, وفرع واحد من ذريته فقط؛ وهو فرع إسحاق عليه السلام، بينما نجد أن ابن كثير رحمة الله تبارك وتعالى عليه يقول: إنه لما أصعده الله وأراه الأرض أراه شرقها وغربها وجنوبها وشمالها، فيدخل في ذلك ما ترثه أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وهو أوسع وأكبر وأشمل من أرض فلسطين التي لا تكاد تشكل نسبة إلا ما يعادل 1% من جزيرة العرب وحدها، فضلاً عن غير ذلك من الممالك ومن الأرض الواسعة المحيطة بها التي وعدها من يتبع ملة إبراهيم عليه السلام، ومعلوم أن الذي اتبع ملة إبراهيم عليه السلام وأورثه الله تبارك وتعالى الأرض وملكها فعلاً هو: محمد صلى الله عليه وسلم، والفاتحون من الصالحين من بعده؛ كما بين الله تبارك وتعالى: (( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ))[الأنبياء:105].نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلنا وإياكم منهم؛ إنه على كل شيء قدير.نستكمل بإذن الله تبارك وتعالى في الحلقة القادمة ما يتعلق بـ ملكي صادق , وقصته عند أهل الكتاب, وعلاقته بنبي الله الخليل إبراهيم عليه السلام.والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.