البعض يقولون: إن ملكي صادق هو حمورابي مثلاً، هذا -مع الأسف- الكلام نقله الشيخ رشيد رضا رحمة الله عليه, فهو في الجزء السابع من تفسير المنار صفحة خمسمائة وخمسة وثلاثين يقول: إن حمورابي هو ملكي صادق ملك البر والسلام الذي يقال في العهد العتيق: إنه كاهن الله وأنه بارك إبراهيم وأن إبراهيم أعطاه العشر... إلى آخره.
الحقيقة أن هناك مشكلة إضافية في كلام الشيخ رشيد رضا أن نقول: إن حمورابي هو ملكي صادق فلدينا عدة شخصيات: حمورابي و أمرافل -بعض الناس يقول: أمرافل تحريفاً لحمورابل- وعندنا ملكي صادق ، الذي يبدو أنها ثلاث شخصيات مختلفة اختلافاً شديداً.
لا يهمنا هل يكون أمرافل هو حمورابي أو غيره، ولا يهمنا مَن حمورابي إلا أن نوضح أنه ليس هو ملكي صادق , بمعنى: أن حمورابي ضمن الشريعة المكتوبة أحد أمرين: إما أن يكون ملكاً من الملوك الذين نقلوا شريعة من شرائع الأنبياء السابقين في شريعته، وإما أن يكون حمورابي هو نبي من الأنبياء -فلله تعالى أنبياء من قبل- وأوحى إليه الله بشريعة؛ لكن لا علاقة لها بإبراهيم عليه السلام وكتبها سواء كان بعده أو قبله لا يهم، وإما أن يكون ملكاً وثنياً وتكون الكتابة المنسوبة إلى شريعته أنها بوحي من الشمس, وهو ملك وثني؛ لكن شريعته فيها شيء من الحق المنقول.
كل الاحتمالات ورادة: أن يكون التحريف في الكتابة أو أن تكون الكتابة صحيحة وكان على غير دين التوحيد, وأما شريعته فلا عجب أن تتطابق وتتوافق شرائع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، الذي يهمنا أن نقوله: أنه ليس هو ملكي صادق أو ملك الصدق الذي يقول هؤلاء القوم.
ملكي صادق هو في الحقيقة أحد أمرين: إما أن يكون شخصية مختلقة، واختلقها اليهود ثم فرح بها النصارى لإضفاء نوع من الرمزية على المسيح عليه السلام -كما سيأتي إن شاء الله تبارك وتعالى وننقله من كلامهم- أو أن يكون ملكي صادق شخصية حقيقة؛ ولكن ليست بالشكل الذي ورد في العهد القديم، ولا بالحال الذي قيل: إنه كان أعظم -كما يبدو- من إبراهيم عليه السلام، وأن رتبته عند الله تبارك وتعالى كانت عالية جداً إلى حد أن يقال لأنبياء الله: سنجعلك على رتبة ملكي صادق .
لا يهمنا هذا الرجل حقيقة في ذاته بقدر ما يهمنا أن نقول: إن القصة إما أنها مختلقة وإما أنها محرفة، فلا صحة على الإطلاق أن يكون الخليل نبي الله -وهو في سن السبعين أو أكبر منها- يذهب إلى مثل هذا الرجل, ويعتبره كاهناً لله العلي ويعطيه العشر! مع ملاحظة أن من يقولون: إنه كاهن لله العلي هذه أفضل الترجمات؛ لأن البعض يقول: إن ملكي صادق كان كاهناً للإله أو للرب عليون الذي كان يعبده الكنعانيون, وهذا أفحش وأشد؛ فإذا كان كاهناً لوثن من الأوثان أو لمعبود غير الله تبارك وتعالى فالأمر أشد بعداً، ولا يمكن أن يتصور المؤمن أن إبراهيم عليه السلام يذهب إليه ويعطيه العشر ويتقرب منه, ويأخذ البركة منه! وكما نصوا وسنقرأه إن شاء الله من كلامهم؛ أن ملكي صادق أعلى وأفضل من إبراهيم، وهذا في الحقيقة فيه تحقير وتدنيس لمقام النبوة؛ ولا سيما إذا كان هذا كاهناً لوثن من الأوثان, أو كان ملكاً وثنياً كما يزعمون.
أضف تعليقا
تنويه: يتم نشر التعليقات بعد مراجعتها من قبل إدارة الموقع