فنحن نجد أن الغرب هو الذي نقب, وهو الذي بحث، وهو الذي درس الحضارات, وهو الذي بحث في الكون وفي الآفاق، فكل هذا -وهو دلائل وبراهين قطعية- يثبت الآن أن هذا القرآن حق، وأنه من عند الله تبارك وتعالى.ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (ما من نبي من الأنبياء بعثه الله تبارك وتعالى قبلي إلا أوتي بما يؤمن الناس على مثله, وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة).ولما استعرض الحافظ ابن حجر رحمه الله الأقوال في هذا، ذكر أن أكثرها ملاءمة وترجيحاً لموضوعنا؛ هو: إخبار القرآن بالمغيبات، فلا يمر عصر من العصور إلا وظهر فيه شيء مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على صحته, وأنه حق من عند الله تبارك وتعالى. بمعنى آخر: أن لدينا نوعاً فذاً فريداً من الدلائل والبراهين القرآنية -التي يسميها علماء الكلام: معجزات- فيوجد نوع من الإعجاز، ونوع من الطرْح, ونوع من التوثيق والحقائق الساطعة النيرة؛ وهو أن الزمن كلما تقدم، وكلما كشفت العلوم شيئاً جديداً لم يكن يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه من حقائق واقعية مشاهدة ملموسة؛ فإنها بذلك تدل على أن الذي أنزل هذا القرآن هو الله تبارك وتعالى، وهو العليم بكل شيء, وهو القادر على كل شيء, وهو الذي يدبر الكون؛ فجعل تدبيره كما قدر، (( لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ))[الرعد:41], ولا راد لقضائه؛ فهذه حقائق يقينية تؤكد عظمة هذا الخالق سبحانه وتعالى, وصدْق النبي صلى الله عليه وسلم، وأن على البشرية جميعاً أن تهتدي بهذا الهدى, وبهذا النور الذي أنزله الله عز وجل عليها.ونحن لا نستطيع أن نفصِّل في هذا الأمر كثيراً؛ لكن لو ضربنا بعض الأمثلة على ذلك: فمثلاً: عندما يُوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أول الوحي يعلم أنه (( نَذِيرًا لِلْبَشَرِ ))[المدثر:36], وهذا في أوائل ما أنزل عليه. وعندما يعده الله تبارك وتعالى (( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ))[التوبة:33]. وعندما يعده بأنه (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ))[النور:55], إلى آخر الآية. وعندما نجد أن الله سبحانه وتعالى يقول لقريش: (( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ))[ص:88].وعندما نجد أنه يقول: (( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ))[فصلت:53]. ومثل ذلك: (( فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ ))[الدخان:59], (( وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ ))[السجدة:30], فأشياء كثيرة جداً تدل على أنه يا محمد! أنت مهمتك أن تؤدي الرسالة, ونحن سوف نتولى إيضاح وكشف هذه الحقائق، وهذا اليقين.والعجيب -كما قلنا- أن هذا اليقين يكشفه أولئك، ويبذلون الجهود من أجل كشفه، وصدق الله: (( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ))[فصلت:53] وهذا الخطاب لهم هم, فالحديث عنهم (( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ))[فصلت:53].