وهنا أيضاً نعود فنقول: تبرز عظمة الإسلام والقرآن, وأن نبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه جاء بهذا الوحي من عند الله تبارك وتعالى، وإلا فما الذي أدرى هذا النبي العربي الأمي في البيئة الأمية في هذه الأماكن النائية من العالم عن الحضارات في ذلك الوقت! أن يأتي ويتحدث عن هذه الآية العجيبة العظيمة, وبأسلوب عظيم جداً, لو تأملنا مثلاً قول الله تبارك وتعالى كما في سورة الشعراء: ((
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ))[الشعراء:69], لاحظ من أول ما تفتتح القصة ليست من صُنع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من أحد كتاب سيرته الذين كتبوا عنه؛ بل خطاب من رب العالمين تبارك وتعالى, رب هذا الكون والوجود كله, والأمم جميعها المؤمن منها والكافر، يخاطب الذي نقل إلينا هذا الخطاب؛ وهو الرسول الخاتم المصطفى صلوات الله وسلام عليه يقول: ((
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ))[الشعراء:69].هذا وحي من عند الله تبارك وتعالى لا علاقة له بأن يفترض البشر شيئاً من ذلك كما يزعم أهل الكتاب, وكما يدَّعون، هناك نماذج حقيقة مؤذية من المزاعم الكاذبة التي يدعون أنه صلى الله عليه وسلم أخذها إما عن بعض
النصارى كـ
ورقة بن نوفل مثلاً أو غيره ويتلقى عنه كما ذكر الله تبارك وتعالى: ((
إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ))[النحل:103]، لو أنه كان كما يزعمون فلمَ يفتعل هذه القصة؟ ولمَ يأتي بها؟! واقع الحكاية من كتاب الله تبارك وتعالى ذاته تنفي ذلك نفياً مطلقاً، الله هو الذي قال: ((
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ))[الشعراء:69], ثم جاء بأمر ونبأ لا يعلمه صلوات الله وسلامه عليه، ولا كان يدري ما الكتاب وما القرآن, ولا يدري عن أخبار الأولين, ولا يدري عن أخبار المستقبل أيضاً الذي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن إبراهيم عليه السلام، فإنه صلوات الله وسلامه عليه أخبرنا عن حادثة في المستقبل ستكون يوم القيامة -كما في الصحيح- عندما يبعث الله تبارك وتعالى الخلائق أجمعين فيأتي إبراهيم عليه السلام فيقف بين يدي رب العالمين ويقول: رب إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون, وأي خزي أعظم من أن تدخل أبي النار؟ فيخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحادثة, وكيف في النهاية أن الله تبارك وتعالى يأمر بأن يُمثل في ذِيخ أو ذَيخ وهو الضبع الصغير، يعني: تنتقل صورة أبيه البشرية إلى شكل آخر ثم يرمى في النار؛ لأن الله تعالى يقول: إني قد حرمتها على الكافرين.المقصود: أنه
ليس هناك حاجة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يتحدث عن قصة سبقت لإبراهيم الخليل, ولا عن قصص سيأتي له من عند نفسه، ولا سيما أن كلا القصتين مدعاة للتكذيب لدى اليهود , يعني: قابلة للإنكار من اليهود بسبب أنهم دائماً يعادونه ويحاجونه, والمشركون والملحدون في قديم الزمان وحديثه، فما الذي يجعل إنساناً يأتي بما يكذبه به الناس، والمفترض عادة في أي إنسان يأتي بفكرة أن يأتي بما يوافق ما عليه الناس في الأمور التي لا تهمه، حتى يوافقونه فيما هو يريد أن يدعوهم إليه إن كان يدعوهم إلى نفسه أو إلى مكانة له أو إلى عقيدة أو رأي، أما أن يأتي هذا الرسول صلوات الله وسلامه عليه بالأحداث السابقة مما في الماضي البعيد حوالي قبل ألفين وثمانمائة سنة تقريباً ثم ماذا سيكون يوم القيامة! فهذا يدل على أنه ليس من عنده صلوات الله وسلامه عليه؛ وإنما تلا نبأ إبراهيم الخليل كما أمره ربه تبارك وتعالى, وبلغه وأداه إلينا كما جاء إليه.