هنا نشير إلى قضية وهي: أن بعض الناس قالوا: إنه حاج قومه, وأنه رأى الكواكب وعمره خمسة عشر يوماً وما أشبه ذلك؛ وهذه من الأخطاء الشنيعة التي يقع فيها بعض من ينقل عن أهل الكتاب بغير علم، فالنقل عن أهل الكتاب أو النقل عن الإسرائيليات يُوقع في مشكلات تجعلهم هم يكفرون بما لدينا, ويقولون: إن كلامهم مثل كلامنا, أو أنهم أخطئوا في هذه المواضع، ملاحدتهم ينكرون القرآن مثلما أنكروا
التوراة ! ومتدينوهم يقولون: إن هذا الكلام كلام خطأ، كيف يكون ابن خمسة عشر يوماً ويرى الكواكب ويتأملها ويخاطب أباه؟!لكن لو حاولنا أن نخرج بعض الأمور فالذي أنا قرأته في مخطوطات البحر الميت أن الكاتب يقول: بعد أن مضى على إبراهيم أسبوعان؛ فالأسبوعان يمكن أن تكون -كما فهم بعضهم- خمسة عشر أو أربعة عشر يوماً, والحقيقة أن كلمة (أسبوع) تطلق على السبع السنين في مواضع كثيرة من العهد القديم، بإمكاننا أن نقول: إن هذه مما يحتمل الصحة بأن يكون وهو في سن الرابعة عشرة من عمره، وفقه الله تبارك وتعالى, وألهمه وحاج قومه, ورأى الكواكب كما جاء تلك المحاجة في سورة الأنعام, وكما ذهب بعد ذلك فحطم أصنامهم. ويؤيد ذلك ما جاء في كتب التفسير وغيرها من أن إبراهيم عليه السلام كان أبوه يعمل نحاتاً ينحت الأصنام, فكان يدخل ويرى ويتعجب من هذا العامل؛ يتعجب أن أباه ينحتها بيده ثم بعد ذلك يعبدها قومه! كيف هذا الذي كان بالأمس حجراً أو أي معدن من المعادن أو خشب أو أي شيء ملقى على الأرض بعد أن يشتغل فيه أحد البشر بشيء من العمل اليدوي يصبح إلهاً, ويصبح معبوداً! أمر عجيب جداً! ولا نستبعد على الإطلاق من أي صاحب فطرة سليمة أن يرفضه, فكيف إذا كان من آتاه الله تبارك وتعالى رشده وهو لا يزال فتى.على أية حال المسافة بعيدة جداً بين هذا وبين الذي يرى أنه فقط في آخر عمره وبعد عقم
سارة على السبعين سنة أنه خاطبه الله أو رآه الله أو رآه في المنام ووعده بأرض الميعاد، ولا نكاد نجد ذكراً للنبوة ولا للرشد ولا للمحاجة ولا المجادلة في أسفار أو الكتابة الموجودة في العهد القديم.في القرآن الذي هو كتاب الله تبارك وتعالى هذه القضية هي أهم قضية؛ المحاجة لقومه في الأمر النظري؛ وهو ما يتعلق بعبادة الكواكب، والمحاجة ورد الشرك والكفر عملياً؛ وهو ما فعله في تحطيم الأصنام, وكل ذلك وهو لا يزال فتى.المحاجة الثالثة هي التي لا ندري عنها، ولا يدل القرآن على شيء فيها, وهي: كم كان عمر إبراهيم حين محاجته للملك، قد تكون بعد ذلك؛ لكن على أية حال هي فيما يظهر للملك الذي كان يحكم
العراق ويحكم بلاد
حران أو ما حولها التي كان فيها إبراهيم الخليل عليه السلام وليس ملكاً آخر قابله، وقصة الملك هذه لها بقية قد تأتي إن شاء الله تعالى. المقصود هنا:
أن إبراهيم عليه السلام فطر وجبل على التوحيد النقي الخالص المقر لله تبارك وتعالى, وأنه رفض بهذه الفطرة النقية الخالصة أن يتوجه إلى المعبودات العلوية أو المعبودات السفلية أو المنحوتة.