الحمد الله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى سائر أنبياء الله تبارك وتعالى المختارين المصطفين أجمعين. وبعد:أيها الإخوة والأخوات الكرام! فلقد ابتدأنا في اللقاء الماضي الحديث عن خليل الرحمن وأبي الأنبياء من بعده إبراهيم عليه السلام، ونكمل اليوم بإذن الله تبارك وتعالى ذلك الحديث وفقاً للمنهج المعتاد في المقارنة بين مناهج أو مصادر المعرفة الثلاثة: المصادر الكتابية المحرفة، والمصدر المعصوم المحفوظ وهو القرآن والسنة الصحيحة، ثم المنهج أو المصدر الثالث؛ وهو كتابات الماديين أو الملحدين ومن شابههم.وحقيقة أن نبي الله تبارك وتعالى الخليل إبراهيم عليه السلام من أعظم شخصيات التاريخ قاطبة، ومن أكثر الشخصيات في التاريخ التي نجد المناهج الثلاثة لها فيه كلام طويل، وبينها تعارض شديد، ولا نستطيع أن نأتي بتفاصيل ذلك إلا في حلقات طويلة؛ لكن نحن نكتفي بأمثلة واضحة ومهمة جداً تبين عظمة منهج الوحي المحفوظ على غيره، وتبين ما يليق -بالذات- بمقام الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.فإن من أعظم أنواع الخلط التي حدثت في سيرة الخليل إبراهيم عليه السلام ألا تذكر النبوة ولا يشار إليها إلا لماحاً -كما تقدم في مباحث النبوة في الحلقات الماضية- فإذا غضضنا النظر عمن ينكر وجوده التاريخي -كما فعل بعض الملاحدة في القرن التاسع عشر الميلادي الماضي وما بعده- وينكر أنه شخصية تاريخية، ويقول: إنها خرافة اختلقها كُتّاب
التوراة وأمثالهم, فهؤلاء لا قيمة لهم, ولا اعتبار لهم علمياً في الحقيقة؛ لكن أقول: يبقى أن مَن أكثروا من ذكره والانتساب إليه وهم أهل الكتاب -
اليهود و
النصارى- قد شوهوا أيضاً؛ وذلك لأنهم لم يذكروا أعظم وأهم ميزاته عليه السلام؛ وهي: الإيمان والتوحيد, ونبذ الشرك, والإقرار بالعبودية الكاملة لله تبارك وتعالى, وهذا ما لمحناه ورأيناه في نوح عليه السلام, وكذلك في غيره من الأنبياء كما تقدم وكما سيأتي.عندما نستعرض كيف كان هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه, وماذا تحدثت عنه هذه المصادر, وبالذات المصدران, وهما:
التوراة بما نالها من تحريف, والقرآن العظيم؛ نجد الفرق واضحاً جلياً بين هذين.