المادة    
أهل الكتاب عندما نسبوا إلى الأنبياء من القبائح والشنائع -ما سوف نأتي عليه في الحلقة القادمة إن شاء الله- أو الفكر القومي العربي الذي يحشد كل طاقته لحمل كل عيب وكل ذنب في التاريخ؛ فيلحقه ببني إسرائيل ولو كان أيضاً بأنبيائهم، وكذلك الفكر الآخر الفكر الأسطوري والفكر الوثني والفكر الشركي الذي ينكر نبوة الأنبياء أو ينفيها، أو يعدهم مجرد أشخاص وأفراد متميزين، وكأنما هم نوع من الفلاسفة، أو الفكر الآخر الباطل الذي يكاد يخلط بين الأنبياء وبين غيرهم في أن الجميع إنما يأتون بما يأتون به من العلوم والمعارف من الذات من الداخل، عن طريق العرفان والغنوصية كما أشرنا أو الكشف أو الإلهام أو ما أشبه ذلك. هذه كلها مناهج ضالة, وقد أخذت هذه الأمة المسلمة -مع الأسف الشديد- بنصيبها كما بين النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يتبعون سَنن من كان قبلهم من الأمم، أخذ طوائف من هذه الأمة بنصيبهم من الخطأ والانحراف اتباعاً لتلك المناهج الضالة التي ليست من الإسلام في شيء. أقول: إن هذه القضايا التي أتينا عليها على عجل وعلى إلماحة هي من أهم وأخطر القضايا في تاريخ الفكر الإنساني عامة، التي يجب على كل مسلم أن يحرر فكره ونظره إن كان تاريخياً أو أدبياً أو عقدياً وهو أشد، أن يحرر ذلك كله على منهاج النبوة، أن يجعله على وفق صريح وجلي القرآن، وألا يتأثر لا بقليل ولا بكثير بهذه المناهج الضالة المنحرفة، وعندما نفعل ذلك فسوف نجد أن كل عاقل من أهل الكتاب أو من غيرهم من أمم الأرض، لا بد أن يجد نفسه مضطراً -وبدون أي ممانعة- بأن يقبل هذه العقيدة الصافية الخالصة النقية من شوائب الشرك أو العنصرية, أو ما يسمونه التعامل الخطأ مع الآخر، أما بالنسبة لنا نحن المسلمين فالآخر بما يفهمونه هم ليس هو المقابل العنصري أو المقابل القومي أو المقابل الاقتصادي أو المقابل لشيء ما؛ إنما الآخر هو بمعنى العدو من خالفنا في الدين والعقيدة التي أنزلها الله تبارك وتعالى، وجاء بها محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله. كل من آمن بهذه العقيدة في أمم التاريخ قديمها وحديثها فهو أخ لنا، وهو قريب لنا، ونحبه ونواليه في الله تبارك وتعالى، وكل من خالفها فإننا نبغضه ونعاديه مهما كانت قرابته، ومهما كان انتماؤه. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقني وإياكم جميعاً لما يحب ويرضى, وأن ينفعنا بما نسمع ونقول؛ إنه سميع مجيب, والحمد الله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.