المادة    
هنا سنجد أنفسنا أننا أمام الحقائق الكبرى التي اعترف بها بعض المتجردين من المؤرخين، على سبيل المثال: المؤرخ المشهور -وهو على مستوى عالمي- جورج سارتون لما تحدث في كتابه تاريخ العلم يقول: لقد سبق للعرب أن قادوا العالم في مرحلتين طويلتين من مراحل التقدم الإنساني طوال ألفي سنة، يعني: على الأقل قبل اليونان ثم في العصور الوسطى، يقول: ولا مانع من أن تجتمع هذه الشعوب وتقود العالم مرة ثالثة.
وهذه كلمة منصفة من رجل في مثل هذه المكانة التاريخية والعلمية.
قيادة جزيرة العرب كموطن لهذا الدين, ولهذه الحضارة، والجانب الأكثر تحضراً منها وهو اليمن ؛ أن تقود البشرية قبل اليونان ولمدة ألفي سنة، هو يتناقض تماماً مع أكثر النظريات التاريخية، التي تبدأ تؤرخ بكلام اليونان! وكأنما تؤرخ من اليونان، مع أننا نعود ونذكر الإخوة الكرام بما قلناه وهو أن: التاريخ اليوناني والنظريات اليونانية والفكر اليوناني إنما ابتدأت في القرن السادس قبل الميلاد!
وهنا تعجبون وتقولون: كيف يقارن بين حضارة نشأت في القرن السادس قبل الميلاد، وتعتبر أصل الحضارات في العالم، وبين حضارة قيل: إنها نشأت في الألف السادس قبل الميلاد! يعني: الحضارة اليمنية في الألف السادس أو السابع قبل الميلاد؟
ثم أيضاً هناك شيء عجيب! كيف تنسب الحضارة إلى هذه الأمة المتأخرة؟! ونحن قد اكتشفنا وامتلأت الدنيا من هذه الكشوفات؛ بأن هناك لغات وحروفاً وأمماً وأبجدية -كما تسمى- قبل التاريخ بآماد بعيدة.
يمكن أن نمثل لهذا مثلاً بآثار أوغاريت أو راس شمره في الشمال الغربي من بلاد الشام ، هناك اكتشفت حضارة تعود إلى الألف السابع قبل الميلاد، العجيب ليس هذا، ليس كلامنا عن ما أثبته الباحثون من قدم حضارة أوغاريت, الأعجب من هذا أن أصلها حضارة عربية يمنية قديمة! انتقلوا من اليمن إلى هناك, واكتشفت الآثار هناك، ولم تكتشف الآثار الأقدم الموجودة في اليمن نفسها حتى الآن, وقد تكتشف.