إذا نحن أخذنا من الإشارات القرآنية مجموعة من الحقائق، وركبنا من خلالها تاريخاً عميقاً وعظيماً لهذا الجزء المهم من
جزيرة العرب.بمعنى آخر: أننا يمكن أن نعتبر أمة عاد، أمة طرأ عليها الشرك ثم بعث الله تبارك وتعالى إليهم هوداً عليه السلام؛ فكان ما كان من هلاكهم وعقوبتهم، وهذه ممكن أن تفرد في لقاء أو أكثر لبيان ما الذي توصل إليه العلم أو الكشوفات الأثرية من مواقع عاد؟! وأسباب الهلاك التي يفسرها البعض تفسيرات قد تتفق مع النص القرآني وقد تختلف؛ لكن على أية حال هناك بحوث مهمة وحديثة في هذا الشأن, هذا جانب. بعد ذلك نجد أن هناك في القرآن حديثاً عن
ذي القرنين ، من هو
ذو القرنين ؟ أقرب الأقوال -على كثرة الخلاف- فيه أنه من ملوك
اليمن , الذين كان -كما في نص القرآن- رجلاً صالحاً عبداً مؤمناً موحداً تقياً وفتح الأرض، وهذه الحقيقة التي جاءت في كتاب الله تبارك وتعالى هي من ضمن حقائق كثيرة، أو من ضمن ثوابت كثيرة في التاريخ اليمني القديم، معلومة بشبه تواتر أو متواترة عن العرب القدماء, وعن ملوك وحكام
اليمن . فيما أثر عن
عبيد بن شرية فيما كتبه أو نقله
هشام بن الكلبي وأمثاله, وحفظه لنا مثل كتاب:
المحبّر أو كتاب
المسعودي مروج الذهب و
المقريزي -وقد نقلنا بعض النقول من ذلك- نأخذ من
ذي القرنين إشارة إلى أن مُلكاً عظيماً كان لهذه الأمة، لم يكن حادثاً منفصلاً؛ بل جزءاً من تاريخ. كذلك ما ذكر الله تبارك وتعالى عن
تبع وقومه جزء من تاريخ طويل جداً وعظيم، وما ذكر أيضاً عن أصحاب الأخدود، وما ذكر أيضاً عن
سبأ وملكها وعظمة عرشها، وما نقل عن الجنتين وعن السد, وعن التواصل الحضاري ((
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ))[سبأ:18], هناك إشارات كثيرة في القرآن واضحة وجلية إلى أمة متحضرة.. إلى رقي.. إلى تواصل مع أنحاء العالم كله، كل ذلك ممكن أن نجعله الأسس الثابتة والقوية للتاريخ اليمني الشامل العام، ثم بعد ذلك نسد هذه الثغرات -التي قد تبقى فيه- نسدها بما ثَبت. أولاً: نبدأ بالأحاديث الصحيحة، ثم ننتقل بعد ذلك إلى أقوال العرب الثابتة، وما ذكروا في شعرهم, وما ذكروا في أخبارهم عن هذه الأمة العظيمة، وما توارثوه من قبل؛ فنشكل تاريخاً فيه الحق وفيه الظن, وطبيعة التاريخ هكذا، طبيعة التاريخ أنه ليس كل ما فيه يقين, وإنما فيه ما هو ظني؛ لكن لا يوجد ما ينفيه.