المادة    
نجد في هذا الشأن -نرجع إلى موضوع التقويم والتوقيت- ما يؤكد أو يثبت أن هذا العلم نبوي، أصله من الأنبياء, وأصله وحي من الله تبارك وتعالى، ثم قد زيد ما زيد فيه أو حُرّف أو بُدّل، وفي الإسلام لدينا بعض المؤشرات على هذا, وذلك في حديث هرقل الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله تبارك وتعالى في صحيحه في كتاب: بدء الوحي, من أول الصحيح حديث مشهور، لما قابل هرقل أبا سفيان ، ورأى هرقل في الرؤيا أن مُلك أو مَلك -على الروايتين- أمة الختان قد ظهر. فحينئذٍ أهمه ذلك, فقال لقومه: من يختتن؟ ايتوني بأي مختون؟! فقالوا: لا يختتن إلا اليهود وهم أحقر وأذل؛ فلا يهمك شأنهم؛ فقيل: إن العرب يختتنون, فجيء له بـأبي سفيان والحديث المشهور؛ لكن الشاهد: (وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم -على كلام الأسقف الذي روى الحديث- فلما رأى النجوم قال: إن ملك أمة الختان قد ظهر!), فكيف عرف ذلك؟!
لو كانت المسألة تنجيماً، فالتنجيم مرفوض, والتنجيم لا يُقر ولا يرويه حتى البخاري رضي الله تعالى عنه، فالمسألة ليست كذلك؛ وإنما المسألة هي أن الأمم القديمة كانت تؤرخ بأحداث قديمة، مثلاً: التاريخ الإسكندري يؤرخ بفتح الإسكندر لبلاد الشرق مثلاً، والتاريخ الفارسي يؤرخ بأعمال لملوك الفرس, وهكذا أحداث كبيرة تقع، فالتاريخ النبوي أو العلامات النبوية لا تؤرخ بأحداث البشر -وبعض هؤلاء مشرك, مثلاً: الإسكندر وغيره مشركون لا يؤرخ بهم ولا بأحداثهم- التاريخ النبوي مما علمه الله تبارك وتعالى للناس أن يعلموا العلامات بالتقاء النجوم؛ لأنها بطريقة دوران ثابتة تماماً تُعرف باقتران الكواكب أو النجوم بعضها ببعض، فيكون هناك عند ذلك حدث معين سيقع؛ ولذلك كان اليهود وغيرهم يعلمون أن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قد اقترب، هناك مثلاً: نجوم أو كواكب تقترب كل خمسة وعشرين سنة, بعضها كل سبعين سنة.. بعضها كل قرن.. وبعضها كل قرنين..
على سبيل المثال: نجد الشِّعرى اليمانية التي ذكرها الله تبارك وتعالى في القرآن رُصدت من قديم، وهذا دليل يؤكد أن المسألة وحي, وإلا كيف يعرف البشر ذلك بمجرد النظر! وجدوا أن لها دورة كل ألف وأربعمائة وستين سنة، يعني: تدور دورة كاملة بحيث تشرق من نفس المكان بعد ألف وأربعمائة وستين سنة؛ ولذلك أمكن تصحيح التاريخ المصري القديم بناء على أنه عندما طلعت النجم الشعرى -التي يسمونها دج ستار يعني: نجم الكلب- في أيام أو في أوقات أحد الأباطرة وضعت عملة بهذه المناسبة، فأمكن من خلال ذلك -أي: من خلال معرفة متى وضعت هذه العملة- أن يصحح التاريخ المصري القديم في كثير من الجوانب التي كان خطأ فيه.
الشاهد: أنه كان هناك دقة, وتعلمها الناس وتوارثوها لمن يعرف هذا، -طبعاً الآن الفلاحون والمزارعون في جزيرة العرب أو في بلاد الشام لا تنقصهم هذه، سبحان الله العظيم! فهي سهلة المعرفة، ويتعلمون متى تطلع, ويحرثون ويزرعون بناء على الطوالع هذه, ثم من تعمق أكثر عرف أكثر-، لما كانت تلك علامة للاقتران لم يبق هناك أي شك!
الأحداث البشرية قد تختلف أو قد تضطرب، وما هو -مثلاً- حدث عظيم عند أمة -مثل: فتوحات الإسكندر حدث عظيم عند اليونان - لكنه نكبة وخسارة وبوار على الدول الأخرى أو البلاد المفتوحة, فلا يؤرخ به ولا يعتد به.
لكن المعالم الثابتة في السماء لجميع البشر, ويهتدي بها جميع البشر؛ فمن هنا كان هناك ترقب في العالم -ولعل هذا إن شاء الله يأتي له تفصيل فيما بعد- عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى ما يسمى الهواتف من الجان وغيرهم أو الكهان؛ أن حدثاً بشرياً هائلاً سيقع! حدثاً تاريخياً لا نظير له في أحداث التاريخ جميعاً سوف يقع، ومن ذلك: ما حدث في السماء لما ملئت حرساً شديداً وشهباً, وأصبحت ترجم بها الشياطين، فعلم إبليس وجنوده من الجن والإنس أن حدثا هائلاً سيقع؛ وهو نزول هذا القرآن العظيم على النبي صلى الله عليه وسلم.
رأى هرقل تلك العلامة وعرفها، وكان بالفعل كما ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى وغيره: أنه كان ذلك مطابقاً بالفعل لصلح الحديبية؛ لأنه لما قُبض على أبي سفيان قال: نحن وهو الآن في عهد فلا ندري ماذا يفعل, والعهد هو عهد الحديبية اتفق عليه أبو سفيان ثم ذهب بتجارته إلى الشام فقبض عليه هناك, وذهب به إلى هرقل.