المقصود: أن سيرة هذا النبي العظيم كلها نُظر إليها من زاوية الثروة, ومن زاوية جمع المال والجشع في ذلك، حتى الأحداث العظيمة التي وقعت في أيامه مثل: قدوم ملكة
سبأ مثلاً، فعندما نجد أن القصة في القرآن قصة عجيبة جداً, قصة لا نظير لها على الإطلاق, لا في كتب أهل الكتاب ولا في غيرها، وهي من الدلائل العجيبة والعظيمة على أن النبي صلى الله عليه وسلم يتلقى الوحي من عند الله تبارك وتعالى، وإلا -كما ذكرنا في الحلقة الماضية- فهؤلاء
اليهود يعادون النبي صلى الله عليه وسلم، وبنو إسرائيل الذين ينتسبون إلى هؤلاء الأنبياء يعادون المسلمين، ومن ينسب إلى عدوه ما يقوله عنه أتباعه فما ظلمه؛ لكن أن يأتي هذه الوحي العجيب بأمور تخالف ما عند هؤلاء الأعداء في تعظيم متبوعيهم وأنبيائهم وأئمتهم, وعبادهم وعلمائهم؛ فهذا غاية في العدل, وغاية في التجرد, ومتضمنة لأخبار لا يمكن أن تأتي عليها علوم البشر, وإنما هي وحي من الله تبارك وتعالى. القضية في أصلها كلها مرتبطة بتوحيد الله, بالإيمان بالله تبارك وتعالى؛ الذي لم ينكره عليهم فقط نبي الله العظيم سليمان عليه السلام؛ بل أنكر ذلك أيضاً الهدهد؛ فقد أنكر الشرك.. وأنكر الكفر.. وأنكر الجحود والسجود لغير الله تبارك وتعالى، وهو أحد المستخدمين لدى هذا النبي العظيم، وأحد من خدموه, وأحد من سخرهم الله تبارك وتعالى له من جملة ما سخر له: من الرياح, ومن الطير, ومن الجن, ومن الإنس، فيأتي هذا الطائر العجيب ويستنكر أن يجد أمة تسجد للشمس! -وهذا الآن مؤكد من خلال الآثار, ولا تزال حتى اليوم القبور في تلك المناطق متجهة جهة الشمس, والآثار والنقوش مكتوبة عن عبادة الشمس بالآلاف-، فإذا أنكر الهدهد ذلك, فكيف بسليمان عليه السلام, فقد كتب إليها أن تأتيه مسلمة هي وقومها، لا يريد منهم إلا الدين والإيمان, ولم ينظر إلى الثروة, ولا إلى الكنوز, كما تذكر الأسفار المحرفة، وأن المراكب كانت تأتي محملة بالضائع من
اليمن ومن بلاد العرب، وتأتي إلى سليمان, وكذا.. ونحن لا ننفي ذلك ولا يفترض أن ننفيه؛ لكننا نقول: لم يكن هذا هو الغرض الأساس, وإنما تأتي هذه الأمور تبعاً؛ فما أعطاه الله تبارك وتعالى من الملك, وما أعطى لملكة
سبأ من الملك, ومن العظمة؛ سُخرا في النهاية في طاعة الله تبارك وتعالى, وفي توحيد الله, وفي عبادة الله، ونستطيع بناء على هذا أن نقول: إنه حتى الملك الذي أعطاه الله تبارك وتعالى لعبده سليمان عليه السلام أوسع وأعظم مما تخيلوا. هم يقولون: إنه حكم من الفرات إلى
شبه جزيرة سيناء تقريباً، فهم يرونه حكم هذه المنطقة بهذا الحكم الذي فيه استبداد مطلق بلا رقابة كما تقول
دائرة المعارف الكتابية يعني: هناك فساد مالي إداري. على أية حال الذي يظهر لنا من القرآن الكريم من قصة نبي الله تبارك وتعالى سليمان أنه حكم أوسع وأعظم من ذلك، ولا سيما إذا خضعت له ملكة
سبأ؛ فمعنى ذلك: أن
جزيرة العرب قد خضعت له ولا غضاضة في ذلك.وهنا أيضاً نشير إلى الافتراء الذي يفتريه القوميون العرب وغيرهم من الحديث والقول بأنه لا يمكن أن يكون ذلك قد حدث؛ لأنه إذا أثبتنا ذلك فقد أثبتنا حق
اليهود في
جزيرة العرب أو في غيرها, ونحن نقول: ((
مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا ))[آل عمران:67], ولا داود ولا موسى ولا الأسباط ولا سليمان، هؤلاء أنبياء الله تبارك وتعالى, وهؤلاء يحكمون بحكم الله وبشريعة الله تبارك وتعالى، وكل ما أعطاهم الله من الأرض فإنهم يستحقونه؛ لأنهم يقيمون فيه دين الله تبارك وتعالى؛ فليس لهم هوى, ولا مطامع شخصية.