قال المصنف رحمه الله تعالى:
[واعلم رحمك الله وإيانا أن باب التكفير وعدم التكفير بابٌ عظمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق، وتشتتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائلهم، فالناس فيه -في جنس تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة، المخالفة للحق الذي بعث الله به رسوله في نفس الأمر، أو المخالفة لذلك في اعتقادهم- على طرفين ووسط، من جنس الاختلاف في تكفير أهل الكبائر العملية.
فطائفة تقول: لا نكفر من أهل القبلة أحداً، فتنفي التكفير نفياً عاماً، مع العلم بأن في أهل القبلة المنافقين، الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع، وفيهم من قد يُظهر بعض ذلك حيث يمكنهم، وهم يتظاهرون بالشهادتين.
وأيضاً فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة المتواترة ونحو ذلك؛ فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً.
والنفاق والردة مظنتهما البدع والفجور، كما ذكره الخلال في كتاب السنة بسنده إلى محمد بن سيرين أنه قال: [[إن أسرع الناس ردة أهل الأهواء]]، وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم: ((وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ))[الأنعام:68]]
اهـ.
الشرح:
حتى تفهم العبارة فهماً صحيحاً لابد من وضع خط اعتراض بعد (فالناس فيه) إلى (في اعتقادهم) فتكون الجملة الاعتراضية: "في جنس تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة المخالفة للحق الذي بعث الله به رسوله في نفس الأمر، أو المخالفة لذلك في اعتقادهم" فكأن العبارة: الناس فيه على طرفين ووسط، أي فيما بين علامتي الاعتراض.
وقال أطال المصنف رحمه الله تعالى في الكلام في التكفير وعدم التكفير، وحكم مرتكب الكبيرة، واختلاف الفرق فيه، وأنواع الكفر والنفاق، ولكنه فرق الكلام مع ما فيه من تكرار وتداخل تبعاً للأصل، فإن الإمام الطحاوي رحمه الله فرق الكلام في التكفير، فالكلام مفرق ومتداخل على وجه العموم، وسنجتهد بإذن الله أن لا يكون هناك تكرار، فنقول:
ذكر المصنف رحمه الله أن أهل المقالات والعقائد الفاسدة المخالفة للحق اختلفوا في تكفير غيرهم من الفرق، والمقصود بالمقالة هنا: الاعتقاد والعقيدة، فكلمة (القول) قد تطلق بمعنى الاعتقاد، فإذا قيل: هذا قول الجهمية أو قول الكرامية، فالمراد هو اعتقادهم، لا مجرد لفظهم؛ لأن القول يشمل قول اللسان وقول القلب، أي: اعتقاده وإقراره.
يقول رحمه الله: [أن باب التكفير وعدم التكفير باب عظمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق، وتشتتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائلهم]، ثم أجمل ذلك بأن جعلهم على طرفين ووسط، فقال: [فالناس فيه.. على طرفين ووسط، من جنس الاختلاف في تكفير أهل الكبائر العملية].
فيلاحظ أنه قسم الخطأ الذي اختلف في تكفير أهله إلى نوعين: الأول: اعتقاديات أو علميات، والثاني: العمليات، فالاعتقاديات: مثل أن نعتقد أن عذاب القبر حق، فهذه عقيدة، والعمليات: مثل الصلاة، فهذا عمل نعمله، وبينهما تلازم؛ فإن الأمر وإن كان اعتقادياً فإنه يلزم منه العمل، فمن يؤمن بعذاب القبر ونعيمه يلزم من ذلك أن يعمل له، وأيضاً من يؤدي الصلاة يلزم من ذلك أن يكون مؤمناً بالله مؤمناً بالصلاة وبوجوبها، فالتلازم موجود، لكن التفريق فقط من باب الإيضاح ولمعرفة حكم كل منهما.
وأول ما نشب الخلاف في هذه الأمة وحصل فيه النزاع بين الخوارج والمرجئة وأهل السنة ؛ كان في العمليات، أي: في حكم العاصي الذي ترك واجباً أو فعل محرماً، وهذا كان في الصدر الأول للأمة، ولكن تطور الأمر بعد أن ظهرت الفرق وأصبح لكل فرقة منهج مستقل وأدلة وبراهين وحجج وشبهات، فبدأ الكل يكتب ويتكلم في بيان خطأ المخالف له في هذا الاعتقاد، فبعد أن كان الاختلاف في التكفير أو عدم التكفير مقتصراً على الأمور العملية؛ أصبح اختلاف الناس في مسائل المقالات -أي: الأمور العلمية الاعتقادية- من جنس اختلافهم في أمور الكبائر العملية.
  1. المرجئة لا تكفر أحداً من أهل القبلة

  2. الرد على المرجئة بأن في أهل القبلة منافقين

  3. من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة فهو كافر بالإجماع

  4. الواجبات التي يكفر منكرها والمحرمات التي يكفر مستحلها

  5. تنزيل الحكم على المعين