بعد ما ذكر المصنف رحمه الله حديث الرجل الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد الله وكان يلقب حماراً، قال: "وهذا أمر متيقن به في طوائف كثيرة وأئمة في العلم والدين، وفيهم بعض مقالات الجهمية، أو المرجئة، أو القدرية، أو الشيعة، أو الخوارج، ولكن الأئمة في العلم والدين لا يكونون قائمين بجملة تلك البدعة بل بفرع منها" أي: أنه لا يمكن لإمام من الأئمة في العلم والدين أن يكون شيعياً أو قدرياً -مثلاً- من جميع الوجوه ويكون قائماً بجملة تلك البدعة، لكن قد يقوم بفرع وجزئية منها.
وأعبر بتعبير واضح عن هذا فأقول: هناك فرق بين المنهج العام للإنسان وبين الأخطاء في المسائل التفصيلية، فالإنسان إذا كان منهجه العام الأخذ من الكتاب والسنة، فهذا يعد من أهل السنة وإن أخطأ في التفاصيل، ومن كان منهجه الاعتزال، فيقال: إنه معتزلي وإن أصاب في بعض الأمور أو وافق أهل السنة أو أخذ بحديث أو بأكثر من أحاديث الصحيح، فالأئمة المشاهير ممن اتهم بارتكاب بعض العقائد البدعية أو الضلالات لم يأخذها جملة، ولو أخذها جملة لصار من أهلها، ولكنه أخذ فرعاً منها.
فلابد من التفريق بين المنهج والجزئية، وبهذا المنهج نتعامل مع الأحزاب والجماعات والفئات المعاصرة؛ فقد يكون فلان مثلاً زعيماً زنديقاً ملحداً، لكن قد يكون من أتباعه من فيه خير ودين وصلاح وإن وافقه في بعض ما يقول، وهذا الحكم من العدل الذي أمر الله سبحانه وتعالى به.
لكن في الجملة نقول: إن كل معتزلي أو رافضي فهو ضال أو زائغ، ولا شك في ذلك، لكن عندما نأخذ الأمر على التفصيل فقد نجد بعض الناس أخذ من الرافضة شعبة فقط، وقد يكفرهم من غير هذه الشعبة، وبعض الناس أخذ من الاعتزال شعبة، وقد يضللهم في الباقي، ففرق بين المنهج المتكامل وبين أن يأخذ الإنسان بجزئية من المنهج، ولو كان هذا الميزان واضحاً عند المسلمين وعند كثير من أهل السنة في القديم والحديث لما احتاجوا أن يتخاصموا فيما بينهم ويختلفوا ويرد بعضهم على بعض، ولكانوا كما كان علماؤنا الأولون على القسطاس المستقيم والميزان العدل الذي لا طغيان فيه.
قال رحمه الله: "بل العدل هو الوسط، وهو أن الأقوال الباطلة المبتدعة المحرمة المتضمنة نفي ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم أو إثبات ما نفاه" أي: كما في مسائل الصفات أو مسائل القدر وغيرها.
مثال ما أثبته النبي صلى الله عليه وسلم: قوله للجارية: {أين الله؟ قالت: في السماء، فأقرها} فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الله في السماء وكذلك في غيره من الأحاديث، فجاء أناس فنفوه. أو إثبات ما نفاه الرسول صلى الله عليه وسلم كمن أثبت لله من الصفات أو نسب ما لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم.