هذا يدلنا على خطأ منهجي كبير جداً -به نختم هذه الحلقة الطيبة المباركة إن شاء الله- وهو: لماذا يُنقل عن أهل الكتاب في أمور مثل هذه؛ فيأتي الملحدون أو المنافقون أو الذين يريدون أن يدسوا الشبهات علينا ويقولون: إن لديكم في كتب التفسير عمر الكون كله وعمر الدنيا سبعة آلاف سنة!هذا لا أصل له في الإسلام، لا في الكتاب ولا في السنة, وإنما هو منقول عن علماء أهل الكتاب من كتبهم، وهذا من جملة ما ينقل؛ ولكن نحن نقول: ما ينقل عن أهل الكتاب فهو مكان التمحيص, إذا كان ما ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة هو محل تمحيص -نتأكد من سنده ونتأكد من متنه- فكيف بما ينقل عن أهل الكتاب! المقصود أن تحديد عمر الدنيا بهذه المدة أو بأشباهها خطأ, وهو معروف عند الأمة
اليهودية وعند أهل الكتاب، أما عندنا في الإسلام فلم تحدد بهذا؛ بل باليقين أن هناك آماداً بعيدة طويلة جداً.نشير هنا إلى لفتة عجيبة قلّ ما يتنبه إليها, والعجيب أنها جاءت من عالم إسلامي نشأ في عصر مقارب جداً لعصر النهضة الأوروبي! حيث احتدمت المعارك في قضية قدم العالم وفي تاريخ الأرض، وهو أن الإمام
البقاعي رحمه الله تبارك وتعالى قال: إن المدة من آدم إلى عهده تعادل مائة ألف سنة، هكذا نص، وطبعاً هو استند في ذلك بحساب حسبه من حديث للنبي صلى الله عليه وسلم, يعني: بطريقة استنباط: تحويل الزمن إلى كسور، ولعلنا نوضحها إن شاء الله في اللقاء القادم بإذن الله تبارك وتعالى، ونبين أنه لو أنا عملنا بهذا الحساب فمعنى ذلك: أن بيننا وبين آدم عليه السلام مائتي ألف سنة، يعني: على كلام
البقاعي رحمه الله؛ لأنه وقع في النصف؛ ما بين الهجرة وما بين عصرنا الحاضر تقريباً، فإذاً يمكن أن تكون مائتي ألف سنة, والله تعالى أعلم. نحن لا نجزم لكن نقول: إن علماء المسلمين كانوا يقررون هذه الحقائق ببداهة وببساطة ويستنبطونها، ولم يدل ذلك والحمد لله على أي إشكال أو تناقض مع القرآن أو مع السنة؛ إلا ما أخذوا من أهل الكتاب فتقع فيه الأخطاء ويثبت الزمن أنه خطأ وأنه باطل، لكن ما ثبت في الكتاب والسنة لا يمكن على الإطلاق أن يكون إلا الحق والصواب، وإن شاء الله في الحلقة القادمة بإذن الله تبارك وتعالى نأتي بما ذكره علماء المسلمين في هذه القضية مما يدل على ما ذكرنا.نسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك لنا ولكم في أوقاتنا, وأن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى؛ إنه سميع مجيب.والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.