المادة    
الشيخ: ثم أقول لإخواني الكرام: إن الكلام عن أي شيء هو فرع عن تصوره, وتصور أي شيء هو فرع في الحقيقة عن تاريخه, وعن تتبع أصوله ومنابعه. وأنا أريد أن أقدم للإخوة قضيتين تعين كل باحث ومطلع؛ ليصل للحقيقة بشأن علم البرمجة اللغوية العصبية وأمثاله. القضية الأولى: تاريخ ونشأة هذا العلم وأمثاله في الغرب. القضية الثانية: تاريخ ونشأة الأفكار الشرقية، والتلاقح الذي حصل بينها وبين الأفكار الغربية. ‏
  1. نشأة علم البرمجة اللغوية العصبية وأسبابه

    الشيخ: إذا بدأنا بـ أوروبا، وجدنا -والكل يعلم ذلك- أنها كانت تسيطر عليها الديانة النصرانية في كل جوانب الحياة, ثم جاءت النظريات التي تتشح بوشاح العلم وتدعيه, ومن أخطرها النظرية الداروينية وأمثالها؛ فقضت تلك النظريات على الديانة, واندفع الناس اندفاعاً إلى الطرف الآخر, وحدث الغلو الآخر في العقلانية والمذهب الطبيعي وعصر التنوير وما أشبه ذلك، ثم تولد في رحم ذلك وفي أحضانه مذاهب ونظريات لا حصر لها.
    وعلى سبيل المثال منها: نظرية فرويد، وكثير من نظريات علم النفس التي استمدت أصولها من الداروينية, أي: من حيوانية الإنسان، ومن مادية الإنسان, ومن إنكار روح الإنسان، فشطحت النظريات الغربية في المادية شطحاً بعيداً جداً, وابتعدت كثيراً عن الدين والإيمان والروحانيات، وأصبحت وبالذات في الجانب العلاجي -وهذه نقطة مهمة جداً- تتعاطى العلاج البعيد جداً عن الروح والإيمان بالله تبارك وتعالى, وهذا امتد إلى ما قبل أربعين عاماً تقريباً؛ أي: إلى نهاية الحرب العالمية الثانية أو بعدها بفترة.
    في الجانب الآخر كانت هناك العقائد والأديان الشرقية التي تقوم على إنكار الدين, وإنكار الإيمان بالله تبارك وتعالى؛ بل بعضها يقوم على إنكار وجود الله؛ لأنها محرفة، وتعتمد اعتماداً مباشراً على ما يسمى الطاقة الكونية أو الكون, أو بالمعنى المعروف لدينا في كتب العقيدة عندنا: الإيمان بوحدة الوجود أو اتحاد الخالق بالمخلوق، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
    فإذا تتبعنا هذه الظاهرة، وكيف نشأت, ثم كيف تلاقحت في أوروبا وفي أمريكا، بالذات بعد الحرب العالمية الثانية إلى أن وصلت في الستينيات إلى نقطة التقاء خطيرة جداً -وهذه أنا تتبعتها من خلال قراءتي في الكنائس النصرانية المختلفة- نجد أن تياراً عاماً لبرالياً اكتسح الساحة الأمريكية والأوروبية، ونخص هنا بالذكر ما يتعلق بالعلاج النفسي.
  2. موضوع علم البرمجة اللغوية العصبية

    الشيخ: هناك ما يقارب من أربعين مدرسة للعلاج النفسي, ومنها هذه المدرسة: البرمجة اللغوية العصبية, وأنا أستطيع أن أجزم بأنها أحد فروع العلاج النفسي؛ فهي في الأصل للمرضى وليست للأسوياء -هذا ما قرأته واطلعت عليه- فليست لمن يريد أن يخطط لحياته، ويفكر تفكيراً جاداً؛ لكن هناك مرض يسمونه الخوف الوهمي؛ مثلاً: إنسان يخاف من ركوب الطيارة, أو يخاف الخروج من البيت إلى الشارع؛ أو يخاف من النوم, أو يخاف من مناظر معينة, أو يخاف من ألوان معينة؛ فمثل هذا الوهم يعالج أحياناً بنوع من الوهم, ونجاح الوهم في علاج الوهم لا يعني أنه حقيقة؛ بل إن لدينا ما نعرفه في علم المنطق؛ وهو العلم الذي أتعب وأجهد كثير من المسلمين أنفسهم فيه, ووجدوا في النهاية أنه كما قال عنه شيخ الإسلام : لا يحتاج إليه الذكي، ولا يستفيد منه البليد.
  3. أسباب رفض البعض علم البرمجة اللغوية العصبية

    الشيخ: فحقيقة الذي تبين لي وبتتبع ودراسة -ويمكن أن أقدم تفصيلاً لها أكثر في غير هذه المناسبة- أن هذا العلم إنما رفضه من رفضه؛ لأنه يقوم على غيبيات خرافية لا أصل لها, وهو يستند إلى الوهم الذي نجده عند كثير من الناس في اعتقادات لم تقم عليها البينة ولا الحقائق العلمية, وإنما هي عقائد قديمة جداً, مثل: قضية الشكرات، وقضية الطاقة الأنثوية، والطاقة الذكرية, والفسطاوية، والجينية، و الكونفوشيوسية القديمة، و البوذية, وقضايا أخرى كثيرة جداً.
    هذه العقائد تعطش لها الإنسان الغربي واشتاق لها وأخذها؛ لأنه فقد المنبع الروحي الإيماني الذي كانت تقدمه النصرانية على ما فيها من دخن وتحريف, فأخذ هذه وتقبلها, ثم في النهاية وجد فيها -كما يظن- اكتشافات هائلة, وطاقات كبيرة جداً, ثم بعد ذلك أخذها منهم من أخذها من المسلمين, وجاءت لتصدر للعالم الإسلامي.
    ونحن يجب علينا جميعاً أن نعلم أن الأمر إذا تعلق بجناب التوحيد، وبقضية لا إله إلا الله, وبتحقيق العبودية لله تبارك وتعالى؛ فإنه يجب علينا أن نجتنب الشبهات فيه, ولا نكتفي فقط بدائرة الحرام.
  4. قول المدافعين عن علم البرمجة اللغوية العصبية بأنه تجربة بشرية مشتركة بين الناس

    الشيخ: أنا لا أريد في الحقيقة أن أدخل في تفصيل الجانب الذي يهتم كثير من الإخوة بالتركيز عليه عندما يدافعون عن هذا العلم, وهو أنه حكمة، وتجربة بشرية, وأن هذه قيم مشتركة بين الناس، وما أشبه ذلك.
    أنا أقول: حتى هذه عليها ملاحظات -وأنا قرأتها- وأضرب لكم مثالاً على ذلك: (المدلينق)، أو المثال الذي وضعوه أنا وجدته باطلاً لا حقيقة له, فليس صحيحاً أن البشر خلقوا بطاقات متساوية, أو أن ما يمكن أن يفعله إنسان يمكن أن يفعله الآخر, فهذا لا يصح أبداً؛ لأن الله تبارك وتعالى نص في كتابه على أنه فاضل بيننا, وفضل بعضنا على بعض, وجعل بعضنا لبعض سخرياً؛ بل تختلف الطاقات وتختلف المواهب, ((وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا))[البقرة:148], ((كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ))[الإسراء:84]؛ فهذه أمور أساسية تجعل حتى هذه القضايا التي يراها البعض أنها متجردة على الأجيال أو يمكن أن تكون من الحكمة المشتركة؛ تجعلها إما موضع نظر، وإما فيها خطأ وفيها صواب؛ لكن ليست هذه القضية.
  5. موقف المسلم من علم البرمجة اللغوية العصبية

    الشيخ: أختصر وأقول: الذي أراه بعد دراسة وتمحيص شديد في عقائد الهند و الصين وحتى في أمريكا الوسطى والجنوبية, وفيما نتج عن دراسات أو من مدارس علم النفس والعلاج في أمريكا والعقائد أخرى؛ أنه يجب على هذه الأمة أن تجتنب كل هذه العلوم جملة وتفصيلاً, وأن تأخذ من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وأن تعرض عن هذه؛ بل يجب أن تكتب فيها, وتبين لماذا لم تأخذ بها, وإن كان هناك منها شيء يتفق مع الحكمة والواقع والصواب؛ فنحن في الحقيقة في غنى عنه أن يربط بهذه المدارس التي لها أصولها الفلسفية الواضحة, التي لا يمكن بحال من الأحوال أن نعمل لها دعاية, ونتجنب ربطها بأصولها.
    من المعروف مثلاً: أن محاضرة الدكتور: إبراهيم فقي في أول صفحة تجده يقول: إن فلاناً أستاذ في التنويم المغناطيسي, وفلاناً أستاذ في كذا, فمن أول صفحة تعرف أن هذا العلم يقوم على اعتقادات وقضايا غيبية باطنية؛ مثل: وحدة الوجود, والطاقة الكونية, والإيمان بالأثير, وقضايا كثيرة جداً يعلمها كثير من العلماء.
  6. بعض المروجين لعلم البرمجة اللغوية العصبية

    الشيخ: وإن روج لها فترة من الفترات -مع الأسف الشديد- بعض الكتاب، مثل ما روج لها أنيس منصور قبل فترة, ولم تكن تسمى بهذا الاسم, ورُوّج لها باسم الروحانية الحديثة, وقوامها الدكتور: محمد محمد حسين وغيره, ثم ظهرت علينا الآن بهذا الاسم.
    المقدم: فضيلة الشيخ! أجد حرجاً كبيراً في إيقافكم, وأنا والإخوة المشاهدون في غاية الاستمتاع بما تطرحون.
    الشيخ: لا, أنا أريدك أن توقفني فور انتهاء الوقت.
    المقدم: معنا الكثير من الاتصالات، نفع الله بكم يا دكتور! شكراً على هذه المداخلة القيمة.