قال الإمام أبو جعفر الطحاوي: [ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله]
قال الإمام ابن أبي العز رحمه الله:
[أراد بأهل القبلة الذين تقدم ذكرهم في قوله: "ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما دامو بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قال وأخبر مصدقين" يشير الشيخ رحمه الله بهذا الكلام إلى الرد على الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب.
واعلم -رحمك الله وإيانا- أن باب التكفير وعدم التكفير باب عظمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق، وتشتتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائلهم، فالناس فيه -في جنس تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة، المخالفة للحق الذي بعث الله به رسوله في نفس الأمر، أو المخالفة لذلك في اعتقادهم- على طرفين ووسط، من جنس الاختلاف في تكفير أهل الكبائر العملية.
فطائفة تقول: لا نكفر من أهل القبلة أحداً، فتنفي التكفير نفياً عاماً، مع العلم بأن في أهل القبلة المنافقين، الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع، وفيهم من قد يُظهر بعض ذلك حيث يمكنهم، وهم يتظاهرون بالشهادتين.
وأيضاً: فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة المتواترة، ونحو ذلك؛ فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل كافراً مرتداً].
المقصود هو التنبيه على خطورة باب التكفير وعظم الشأن فيه واختلاف الأمة فيه، وأهميته وضرورة أن يُعلم وأن يُقرأ وأن يفهم على فهم السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، وأول فرقة خرجت في الإسلام، وأول صراع وخلاف في العقيدة هو مع الخوارج في تكفير أصحاب الذنوب، وخلافها في أول الأمر لم يكن في الصفات، ولم يكن في القدر، وإنما كان في موضوع الإيمان والحكم على مرتكبي الكبيرة -دون الشرك- هذا هو أول ما نشب الخلاف فيه بين الأمة، وتفرقت فيه بظهور هذه الفرقة.
ومعنى الخوارج: جمع (خارجة) وهي صفة لموصوف مقدر، والتقدير فرقة خارجة أو طائفة خارجة، فجُمعت الخارجة جمع تكسير؛ فأصبحت خوارج، وهذا معروف في لغة العرب مثلما تقول: فاكهة جمعها: فواكه، وفاطمة جمعها: فواطم، وقاعدة جمعها: قواعد كما في القرآن: ((وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ))[النور:60] إلى آخره، وهذا كثير، وأصل الخوارج من خرجوا عن الإمام أو عن السنة والإجماع، وسنوضح إن شاء الله أن الخوارج الأولين خرجوا من السنة إلى البدعة، وخرجوا عن الجماعة إلى الفرقة.
  1. معنى لفظ: (الجماعة) شرعاً