المادة    
لقد سبق أن تعرضنا لمسألة علم الكلام بالتفصيل، ونذكر هنا الفقرة الأربعين، والتي يقول فيها الإمام الطحاوي رحمه الله: [فمن رام علم ما حُظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان] وهذا هو الخوض في الله، والمراء في دينه.
ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد حجب عن الخلق معرفة كنه ذاته تبارك وتعالى، وعرفهم نفسه بأسمائه وصفاته، فمن طلب فوق ذلك؛ فإنه يقع في الضلال.
يقول المصنف رحمه الله في أول الكلام: [هذا تقرير للكلام الأول -الذي قبله- وزيادة تحذير أن يتكلم في أصول الدين -بل وفي غيرها- بغير علم، وقال تعالى: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا))[الإسراء:36] ] فلا يجوز ولا يحق لأحد أن يفتي في مسألة من مسائل الطهارة، أو المواريث، أو أحكام الصلاة، أو غيرها بغير علم، فكيف إذا كان قوله هذا بغير علم فيما يتعلق بصفات الله سبحانه وتعالى، وبالتوحيد والاعتقاد؛ فذلك جرمه أعظم، وضلاله أكبر، نسأل الله العفو والعافية.
ثم ذكر بعض الآيات والأحاديث ومنها: "وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ما ضل قوم بعد هدىً كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا: ((مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا))[الزخرف:58]} " فالجدل: سنة كونية، وما انتشر في قوم وكانوا على هدى إلا تركوا الهدى، وهذا قد وقع في بني إسرائيل، ثم حدث في هذه الأمة، فبعد أن كانت القرون الثلاثة الأولى على الاستقامة، انتشر بعد ذلك الجدل، فكان سبباً في ترك الهدى، كما قال الإمام العلامة يزيد بن هارون -رحمه الله- لما ظهر في عصره أهل الكلام وأخذوا يخوضون فيه قال: "نحن أخذنا علمنا عن التابعين، عن الصحابة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم عمن أخذوا؟" أي: اسألوهم عمن أخذوا؟ فهذا منهجنا واضح، وسندنا فيه عن التابعين عن الصحابة، عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم يقولون: سندنا عن العقل عن كلام الحكماء، كـأفلاطون، ومقالات أرسطو، فماذا بعد الحق إلا الضلال!
ثم قال: [ولا شك أن من لم يسلم للرسول صلى الله عليه وسلم، نقص توحيده، فإنه يقول برأيه وهواه ...] إلخ. وبعد أن ذكر كلاماً طويلاً ذكر سبب الإعراض عن تدبر كلام الله ورسوله قال: "وسبب الإضلال: الإعراض عن تدبر كلام الله وكلام رسوله، والاشتغال بكلام اليونان والآراء المختلفة".
  1. اعتراف أئمة علم الكلام بحيرتهم وأن طريقة القرآن أفضل الطرق

  2. النهي عن التفكر في ذات الله