يقول المصنف رحمه الله: [فإنهم يتكلمون في الإله بغير علم، وغير سلطان أتاهم: ((
إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى))[النجم:23] ] ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الحسن: {
تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله -وفي رواية- فتهلكوا} فعندنا شيئان: الأول: آلاء الله وخلقه نتفكر فيهما. وهذا مجال عظيم للتفكر، وهو من صفات المتقين، وتجد أن كثيراً من
الصوفية وغيرهم ممن يعبدون الله على ضلال؛ يظنون أن الله تعالى لم يتعبدنا بالتفكر كما تعبدنا بالذكر، والواقع أن التعبد كائن بالذكر والتفكر، ولذلك يصف الله سبحانه وتعالى أولي الألباب بقوله: ((
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))[آل عمران:191] وهذه الآيات هي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها إذا قام من الليل، وفيها عبر عظيمة، فقد قرن الله تعالى فيها الفكر مع الذكر؛ فقال: ((
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ))[آل عمران:191].. ((
وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ))[الذاريات:21].
وكذلك التفكر في آلائه سبحانه، وهي نعمه وإفضاله وجوده سبحانه وتعالى المستمر على الناس، قال الله تعالى: ((
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ))[إبراهيم:34].
فلو تفكر الإنسان في نعمة الطعام والشراب، ونعمة الحواس، ونعمة العقل وكثير من النعم التي أسبغها الله سبحانه وتعالى على عباده ظاهرة وباطنة، وأعظم وأفضل نعمة على المسلمين هي نعمة الهداية، وأن الله حصنهم من عدوهم المبين الشيطان، وكذلك حذرهم من المعاصي التي تذهب بطاعاتهم، وتضعف إيمانهم، وتكون سيئات عليهم؛ فهذه النعم يجب علينا أن نتفكر فيها.
والشيء الذي لا ينبغي أن نتفكر فيه هو ذات الله تعالى، فنحن لا نستطيع أن نعرف كنه ذاته، ونحن محجوبون عن أن ندرك حقيقته، وإنما علينا أن نسلم بما أخبرنا سبحانه وتعالى، وقد عَّرفنا بنفسه بما فيه الكفاية، وهذا خير العلوم والمعارف وأشرفها؛ فالله تعالى لم يضن علينا بما هو دون ذلك من العلوم، فكيف بأشرف العلوم وأعظمها الذي هو معرفته تبارك وتعالى؟!