فإن قال قائل: إذا كان الأمر فيه مفسدة ومصلحة، وأجمعت الأمة على ارتكاب أخف الضررين أو أدنى المفسدتين، فتكون قد أجمعت على ما هو مفسدة في الحقيقة، لكنها أدنى المفسدتين، أي: أصغر من غيرها، فإنها في هذه الحالة لا تكون مجتمعة على باطل وضلال وخطأ؛ لأن الذي جمعها قاعدة شرعية، وهي: ارتكاب أخف الضررين، والنظر في المصالح والمفاسد، وبالتالي لم يخرج الأمر عن كون الاجتماع لا يجوز إلا على الحق، ولا يجوز الاجتماع على الباطل المحض، وأمثلة المصالح والمفاسد عظيمة جداً، من أوضحها: حديث الرجل الأعرابي الذي بال في المسجد، إذ إن بوله في المسجد مفسدة لا يستطيع أحد أن يماري في ذلك، لكن نحن أمام مفسدتين: إما أن يظل بوله في حدود المكان الذي بال فيه، وإما أن يزجر وينهر فيقوم فتتنجس ثيابه وبقعة واسعة من المسجد، وعند ذلك بدلاً من أن يكون ذنوباً من ماء يكفي لإزالة النجاسة، نحتاج إلى عشرة وربما إلى مائة ذنوب لتطهير المكان، وربما لا نحصر النجاسة ولا نعلم أين هي، فنحن أمام مفسدتين لا بد من أن ترتكب المفسدة الأخف، وهذا من الحق كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ( لا تزرموه، وتركه حتى قضى بوله )، ثم رش موضع النجاسة بالماء فطهر، ولم يبق بعد ذلك شيء، فزالت المفسدة، والمقصود أن الأمة في طريق دعوتها وعملها قد تبتلى بحالات أوقعت المفسدة من فرقة أو بدعة أو ضلال أو ما أشبه ذلك، والحل أن تتعامل معها بحيث تحصر ولا تنتشر ولا تتسع ولا تمتد، فإذا رأيت أن أمراً معيناً يكون من شأنه أن تحد ولا تنتشر فاعمله وإن بقيت في موضع معين حتى يهيئ الله أن تزال، فهذا يكون من الحق، إذاً فالشاهد أن الاجتماع يكون على الحق، قال تعالى: (( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ))[آل عمران:103]، فيجب أن يكون الاجتماع على دين الله، وأن يكون الاعتصام بحبل الله.