غلو بعض الناس في الاعتقاد في الأولياء
يقول: (وكثير من الناس يغلط في هذا الموضع؛ فيظن في شخص أنه ولي لله) ومن هنا يبدأ الخطأ، (ويظن أن ولي الله يقبل منه كل ما يقوله، ويسلم له كل ما يفعل) ثم يظن أنه ما دام ولياً فلا يعترض عليه في شيء، فيؤخذ عنه كل شيء.يقول: (فيوافق ذلك الشخص له، ويخالف ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم) فهنا يقع الضلال فيتتبعه وإن جيء له بالدليل من الوحي المعصوم أن ما فعله ذلك الشيخ، أو ذلك الولي في نظرك، أو ما أفتى به باطل، بل إن كثير من الناس لا يكتفي بأن يعتقد بأنه ولي من الأولياء لا يخطئ، بل يظن و يعتقد أنه لو قال في قلبه: إن فلاناً يخطأ؛ فإن الشيخ الولي سيسلط عليه مصيبة، وهذا واقع كثير من الناس الآن، بل إنك إذا تكلمت وقلت: فلان أخطأ، أو فلان مخالف؛ فإنه يثور عليك ويقول: أكيد ستحل بك مصيبة، يعني: الولي سينتقم منك، ولو كان هذا الولي غائباً، بل ولو كان الولي ميتاً من قرون.ويقولون: هذا الولي قد جرّب أنه لا يعترض عليه أحد، أو يقدح في ولايته، أو يتكلم فيه إلا وتأتيه مصيبة؛ ولذلك إذا كانت الأم مثلاً أو الأب يعتقدان هذه الخرافات، والابن ممن فقهه الله، ونور قلبه بالتوحيد والعقيدة الصحيحة؛ فإنهما لا يسمحان لهذا الابن أن يعترض على أحد من الأولياء في البيت وهما يسمعان أبداً؛ لأنهما يخافان عليه، فإذا وقع له شيء مما قدره الله: كحادث، أو ضعف في الدرجات المدرسية، أو رسوب؛ فإنهما يرجعان هذا ويعلللانه: بأنك تكلمت في ذلك الولي، وقد نبهناك ونصحناك، فأبيت إلا الكلام في أولياء الله، فأصبحت هذه ألوهية وربوبية وليست مجرد ولاية كما يزعمون؛ لأن من كان هذا حاله، ومن كان هذا شأنه بحيث إنه ينتقم ممن يتكلم فيه أو يخالفه، وهو ميت أو بعيد؛ لا يكون إلا رب العالمين سبحانه وتعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ))[الأعراف:188]، فلا يملك لنفسه شيئاً وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يستطع أن يضر أحداً من الناس الذين آذوه بغير سبب مادي إلا أن يدعو الله عليهم؛ وأما هذا فلا يدعو ولا شيء؛ فهو ميت منذ زمن، فبمجرد أن أحداً يتكلم فيه فإنه يؤذيه، وهذا لا يمكن؛ وإلا لكان من تكلم في النبي صلى الله عليه وسلم، أو أبي بكر ، أو عمر ، أو عثمان ، أو علي -وهم أفضل الأولياء- يبتلى، ولا شك عندنا: أن من طعن في النبي، أو في الصحابة؛ فإن الله سينتقم منه في الدنيا أو الآخرة، لكن حتى هذا لا نعتقده كما يعتقد أولئك: أن بلوى معينة ستصيبه في ماله، أو في بدنه؛ لأجل هذا بالذات، وإنما نقول: إنه عرضة للعقوبة، وقد لا يعجل له شيء من ذلك وإنما يؤجل إلى يوم القيامة.وأما الانتقام عند هؤلاء من الشيخ أو الولي فهو نازل به تلك اللحظة، فيخافون عليه أن يقع تلك اللحظة؛ ولهذا لا يذكرون أحداً من الأولياء -كما يزعمون- ولا يتعرضون له إلا بالثناء والمدح والتعظيم، فإذا قال أحد إن فلاناً ولي؛ خافوا، فكل من ادعى الولاية قبلوه، ومن هنا دخل زنادقة، ومنافقون، وعباد شهوات، وكهنة، وسحرة؛ من باب الولاية، فيأتي المشعوذ الدجال الأفاك الشهواني ويقولون: إنه ولي؛ لأنه يقرأ القرآن، ويعافي الناس، فيصدق الناس أنه ولي، فلا يتكلم في حقه أحد أبداً، ويعتقدون أن له جنوداً من الجن يحضرون المجالس، ويسمعون من يغتابه أو يتكلم فيه؛ فينتقمون منه، أو يخبرون الشيخ والشيخ ينتقم.وبهذه الطريقة فرضوا على ضعاف العقول هيمنة عجيبة، فأصبح الإنسان يصدق بالخرافة والدجل والكذب، وتفسد عقيدته، ويعتقد أن أحداً غير الله يعلم الغيب، أو يطلع على أحوال الناس، أو ينتقم ممن يشاء بهذه الطريقة، فهذا المدخل الفاسد أدخلته الصوفية على الناس، وهم يظنون أن هذا من الولاية.