ثم يقول: (فأي أحد ادعى له أصحابه أنه ولي لله، وأنه مخاطب يجب على أتباعه أن يقبلوا منه كل ما يقوله ولا يعارضوه، ويسلموا له حاله من غير اعتبار بالكتاب والسنة؛ فهو وهم مخطئون، ومثل هذا من أضل الناس).
أي: إذا اعتقد أحد ذلك فهو من أضل الخلق، والضلال إنما يأتي من مخالفة الكتاب والسنة، فإذا ظن في أحد أنه لا يمكن أن يعارض كلامه، ويقال: إنه يحدثه قلبه عن ربه، أو أن هذا يلقى إليه، وهو الحق مطلقاً من غير منازعة؛ فهذا من أشد أنواع الضلال.
يقول: (فـعمر بن الخطاب أفضل، وهو أمير المؤمنين) أي: أنه يحكم ولايته الدنيوية فإنه يأمر، وهؤلاء ليس لهم ولاية على أتباعهم، وإنما هم معتكفون في معابدهم، أو في مساجدهم أينما كانوا، وليس لهم ولاية، وهناك فرق بين من يأمر وينهى في مقام الولاية، وبين من يأمر وينهى من غير ولاية وإنما هو مجرد إفتاء أو علم.
يقول: (وكان المسلمون ينازعونه فيما يقول، وهو وهم على الكتاب والسنة، وقد اتفق سلف الأمة وأئمتهم على أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم).
أي: فكل من عداه فإنه يؤخذ من قوله ويترك، وهذا من أعظم ما يوضح الفرق بين الأنبياء وغير الأنبياء؛ سواء كانوا أئمة وعلماء وفقهاء، أو كانوا خلفاء وحكاماً وأمراء، فإن الأمير له طاعة، والعالم له طاعة، والوالد له طاعة، والمعلم أو المؤدب له طاعة، والزوج له طاعة، وهكذا جعل الله لبعض الخلق طاعة باعتبار؛ لكن الذي يطاع مطلقاً، ولا يخالف أمره في أي شيء هو: الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما من عداه فإنه يطاع في طاعة الله، أي: ما لم يأمر بمعصية، فمن رفع أحداً من الأولياء أو العباد وجعله في هذه المنزلة فقد جعله بدرجة الأنبياء.