الأدلة على أن الولي قد يخطئ
ثم يعلل سبب كونه لا يخرج عن ولاية الله بذلك فيقول: (فإن الله تعالى تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) أي: فقد يخطأ الولي، وقد ينسى، فلا يؤاخذ، ولا تسقط ولايته؛ لأن الله تجاوز عن هذه الأمة عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه، فقال تعالى: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ...))[البقرة:285] إلى آخر تلك الآيات العظيمات في آخر سورة البقرة؛ التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه )، وهي من أعظم ما أنزل الله في كتابه الحكيم، وقد تضمنت واشتملت على أن الله لا يؤاخذ بالخطأ.يقول شيخ الإسلام: (وقد ثبت في الصحيح : ( أن الله استجاب هذا الدعاء، وقال: قد فعلت ) )، فاستجاب لأوليائه ولعباده الذين يدعونه بهذا الدعاء، ولا ينبغي لمؤمن أن تفوته هاتان الآيتان في كله ليلة، فإما أن تقرأها في صلاتك، أو أن تقرأها ما قبل نومك.يقول: (وفي صحيح مسلم عن ابن عباس (لما نزلت هذه الآية: ((إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[البقرة:284]؛ دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها قبل ذلك شيء أشد منه) ) أي: في قلوب الصحابة، فهذا أمر عظيم: إذا كنا محاسبين على كل شيء مما أبديناه، أو أخفيناه، وهذا فيه مشقة، ( ( فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا ) ) أي: لا تقولوا كما قال أهل الكتاب: (( سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ ))[النساء:46]، وإنما قولوا: سمعنا وأطعنا، وإذا انقدتم وأذعنتم لله رفع الله عنكم هذا.قال شيخ الإسلام: (فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله تعالى: (( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ))[البقرة:286]) فلما أذعنوا أو آمنوا وسلموا رفع الله عنهم ذلك بفضله، فإذا قالوا: (( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ))[البقرة:286]؛ قال الله تعالى: ( قد فعلت، وإذا قالوا: (( رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ))[البقرة:286]؛ قال: قد فعلت ).وقال تعالى أيضاً: ((وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ))[الأحزاب:5]، وهذا أيضاً دليل على فضل وسعة رحمته تعالى.(وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وعمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعاً: ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر ) )، ويريد شيخ الإسلام من هذا الدليل: أن أولياء الله وإن أخطأوا فإن الخطأ لا ينزلهم عن درجة الولاية، وهذا هو الإنصاف، ولكن أيضاً ليس معنى الولاية: أنهم معصومون.قال: (فلم يؤثم المجتهد المخطأ، بل جعل له أجراً على اجتهاده، وجعل خطأه مغفوراً له، ولكن المجتهد المصيب له أجران، فهو أفضل منه) له أجر على الاجتهاد، وأجر على الإصابة، وأما ذاك فإنما له أجر الاجتهاد.