مقاصدهم في زيادة ألفاظ ليست أركاناً ولا قيوداً
النوع الثاني: أن يزيد بعض السلف كلمة في التعريف، وهذه الزيادة ليست ركناً وليست قيداً لا بد منه، وإنما هي للإيضاح وللأهمية وللتنبيه، وأكثر ما جاء في كلام السلف من ذلك زيادةً على أن الإيمان قول وعمل قولهم: الإيمان قول وعمل ونية، وقال بعضهم: قول وعمل وموافقة السنة، وقال بعضهم: قول وعمل ونية وموافقة السنة. والواقع أن هذه الزيادات لا تؤثر على الإجماع ولا تتنافى مع العبارات المتقدمة، بل هي في الحقيقة داخلة فيها، ولكنها زيادة في الشرح وزيادة في الإيضاح. فالذين زادوا هذه الكلمات لا يقصدون أن جملة (قول وعمل) ناقصة تحتاج إلى استدراك لا يتم المعنى إلا به، وإنما أرادوا ببيان ما ذكروه التأكيد عليه، وإن كان داخلاً مندرجاً في قولهم: (قول وعمل). فمن ذلك أن الإمام أحمد رحمه الله -كما نقل عنه الخلال -: سئل عن الإيمان، وهو كثيراً ما يقول: الإيمان قول وعمل، وقد مر ما نقلناه في تعقيبه على كلام الفضيل ، وهو الذي أورده.فقيل له: ما الإيمان؟ فقال: قول وعمل ونية صادقة. فقال له بعض التلاميذ: هل لا بد من النية؟ وكأنه يقول: إنك دائماً تقول: قول وعمل، فلم أضفت النية؟ هل أردت معنى جديداً يضاف إلى ما سبق؟ فقال أحمد رحمه الله: النية متقدمة. فالنية في الحقيقة شرط لابد منه، فعندما يعرف الإيمان يعرف على أساس أن المشروط موجود ولابد، فإذا انتفى الشرط فلا اعتبار لأي عمل من أعمال الجوارح أو أعمال القلب؛ فإن ذكر أحد أو اشترط النية فلضرورتها ولأهميتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات )، فالإنسان لا يخلو من أن يقول بقلبه وجوارحه، أو يعمل بقلبه وبجوارحه، فالنية شرط في ذلك، فهي متقدمة لابد منها، فإن لم تذكر فلا شيء في ذلك، وإن ذكرت فلبيان أهميتها، فلا منافاة بينهما. وقول الإمام أحمد : النية متقدمة كأنه يقول لتلاميذه: لا تعجبوا إن لم تجدوا العلماء أو أئمة السلف ذكروها؛ لأنها معلومة لا بد منها، وإنما قالوا: قول وعمل؛ لأنه لا بد منها، فلا يحتاج إلى أن تذكر.