وتوج ذلك كله بحديث جبريل عليه السلام، فكان آخر تعليم للأمة؛ لأنه جاء جبريل عليه السلام في آخر عمره صلى الله عليه وسلم بعد انصرافه من حجة الوداع، لم يعش صلى الله عليه وسلم بعد حجة الوداع إلا بضعاً وثمانين ليلة، فجاء إليه جبريل عليه السلام في أمرٍ غير معهود؛ إذ لم يعهده الصحابة من قبل أن الرسول الملكي يأتي إلى الرسول الإنسي، جاء إليه مستفهماً مستعلماً سائلاً يجلس بين يديه جلسة المتعلم المتأدب ويقول: يا محمد! أخبرني عن الإسلام، أخبرني عن الإيمان، أخبرني عن الإحسان، أو بدأ بالإسلام، ولما انصرف ولم يعرفه الصحابة قال: ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم )، فديننا هو هذه المراتب الثلاث، فهو الإسلام والإيمان والإحسان، وهذا التعليم هو بمثابة تقرير لما قد عُمل به، تقرير لما قد عاشه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكأنه يقول: جهادكم وإيمانكم وصلاتكم وقراءتكم للقرآن وذكركم وعبادتكم وتقربكم، كل ذلك هو الدين لا شك، وهذا الدين هو هذه المراتب الثلاث، فاحفظوا هذا لتعرفوا ما أنتم عليه من الدين، ولا تزيغوا عنه ولا تنحرفوا عنه.
فالمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم الصحابة الإيمان والدين فعرفوا ذلك وشاهدوه حقائق واقعية معلومة بالاضطرار.