المادة    
يقول القاضي عبد الجبار: "وأما من خالف في الوعد والوعيد، وقال: إنه سبحانه تعالى ما وعد المطيعين بالثواب، ولا توعد العاصين بالعقاب ألبتة؛ فإنه يكون كافراً؛ لأنه رد ما هو معلوم ضرورة من دين النبي صلى الله عليه وسلم".
ثم انتقل عبد الجبار إلى نقطة أخرى فقال: "وكذا لو قال: إنه تعالى وعد وتوعد، ولكن يجوز أن يخلف في وعيده؛ لأن الخلف في وعيده كرم؛ فإنه يكون كافراً لإضافة القبيح إلى الله تعالى.. فإن قال: إن الله تعالى وعد وتوعد، ولا يجوز أن يخلف في وعده ووعيده، ولكن يجوز أن يكون في عموميات الوعيد شرط أو استثناء لم يبينه الله تعالى، فإنه يكون مخطئاً"
وهذا أمر لابد فيه من التفصيل، فنقول: إن كانت طائفة بعينها أو رجل بعينه أنكر الوعد والوعيد فهو كافر، وكذلك إن أنكر العقاب، بمعنى أنه قال: إن الله سبحانه وتعالى توعد أن يعاقب إلا أنه لن يعاقب أحداً؛ فإن هذا مخالف أيضاً لصريح القرآن، ولما ثبت في السنة، ولما هو معلوم من الدين بالضرورة.
فالأول: هو من أنكر الوعد والوعيد كله. والثاني: هو من يثبت الوعد والوعيد ولكن يقول: إن الله تبارك وتعالى لن يفي بوعيده، أي: لا ينفذ وعيده كرماً منه، فيقول عبد الجبار: إن قائل هذا كافر؛ لأنه تكذيب لكلام الله ولكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولما هو معلوم من الدين بالضرورة.
وأما إن قيل: إن الله سبحانه وتعالى قد يعفو عمن يشاء من أهل الوعيد لحكمة عظيمة يعلمها؛ فإن من مقتضى حكمته عز وجل أنه لا يخلف وعده أبداً؛ بل يزيد العبد من فضله على ما وعد وعلى ما يستحق العبد، فلا يمكن أن يكون الله مخلفاً لوعده الذي وعد عباده، فكل من وُعد خيراً على حسنة قدمها فإن الله تعالى لن يخلفه ما وعد، وسوف يلاقي ثواب ما عمل من الحسنات، أما السيئات فلله تبارك وتعالى على مقتضى حكمته ألا ينفذ وعيده في حق بعض الأفراد.
فمثلاً: الله سبحانه وتعالى توعد آكل الربا وآكل أموال اليتامى ظلماً بالنار، فمن قال: إن الله قد يغفر لبعض أكلة الربا، أو أكلة أموال اليتامى ظلماً أو مرتكب الكبيرة، أو أي ذنب دون الكفر فلا يعاقبهم، أو يغفر لبعض الزناة فلا يعاقبهم.. فإن قائل هذا القول عند المعتزلة يعد مخطئاً، ولكن قولهم هذا باطل، فإن هذا اختصاص من الله سبحانه وتعالى لبعض خلقه لحكمة يعلمها عز وجل.
ومن هنا يأتي مبحث عظيم هو أحد ما نرد به على المعتزلة في هذا الشأن، وهو أصل عظيم من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، وهو موضوع الشفاعة.
وهذا يدل على ما في كلام المعتزلة من الإجمال والتلبيس الذي يؤدي إلى إبطال كثير مما دل عليه القرآن وما صح وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.