الفرق بين تارك الصلاة ومرتكب إحدى الكبائر فيما يتعلق بالإيمان
يقول: (وما دام الأمر كذلك؛ فإنه ليس كل من نفي عنه الإيمان يكون كافراً، فتارك الصلاة له أدلة خاصة، وإلا فقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والمنتهب، ولم يوجب ذلك زوال اسم الإيمان عنهم بالكلية اتفاقاً)، وهذا الكلام لا بد أن يلاحظ عليه، وأول ما يجب أن يلاحظ عليه: الفرق بين تارك الصلاة ومرتكب إحدى هذه الكبائر، والسبب هو: أن تارك الصلاة تارك لركن وجنس العمل، أما أن يزني العبد أو يشرب الخمر أو ينتهب النهبة كما جاء في الحديث، فهذا يمكن أن يقع وهو مؤد لأركان الإسلام الخمسة، كما أنه لا شك أيضاً أن فعل جنس المأمورات أفضل من ترك جنس المنهيات، والأصل هو المأمورات والفرائض، وهذا فرق آخر بين تارك الصلاة وبين من يزني أو يشرب الخمر وما أشبه ذلك.وأمر آخر: أن تارك الصلاة جاء التصريح بكفره، وأما هذا فغاية ما ورد فيه نفي الإيمان عنه، وفرق بين من يصرح الشارع بكفره، وبين من ينفي عنه الإيمان؛ لأن التصريح بالكفر لا يحتمل إلا أن يكون قد خرج من الملة، أما أن ينفي عنه الإيمان فيمكن أن يكون له تفسير آخر، ومن ذلك: أن هذا الحديث تصل الأقوال فيه إلى خمسة عشر قولاً، وهو حديث رواه أكثر دواوين الإسلام إن لم يكن كل كتب السنة تقريباً، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب النهبة حين ينتهبها وهو مؤمن )، وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في تفسيره لهذا الحديث: [إن الإيمان يرتفع عنه حتى يصير كالظلة وهو في حالته هذه].والفرق بين السارق والمنتهب: أن السارق يأخذ المال خفية من حرز، إلى آخر ما يشترطه الفقهاء في ذلك، أما المنتهب فهو الذي يأخذه علانية واختطافاً، حتى إن الناس يرفعون إليه أبصارهم، فيرونه وهو يأخذ مال أخيه ولا يبالي، بل قد يهرب وينكر أنه أخذه، والمقصود أن هذه الكبائر حكمها واحد، وهو أن العبد حين يفعل ذلك لا يكون مؤمناً، ولا يعني هذا أن الإيمان يسلب منه بالكلية في كل الأحوال، فهذا أيضاً مما يفرق به بين من يفعل هذه الكبائر ومن يترك الصلاة، فإذاً أهل السنة والجماعة عامة من جهة، والحنفية من جهة لا يرون تكفير مرتكب الكبيرة ولا تخليده في النار، فهم يخالفون الخوارج ويخالفون المعتزلة ، ومتفقون في الآخرة أن أمره إلى الله، فهو تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال إطلاق القول بأن الخلاف لفظي أو صوري؛ لأن للخلاف جوانب أخرى يظهر بها أنه حقيقي، وهذه قضية مهمة.