الاستدلال بآية سورة البينة
قال رحمه الله تعالى: (ووصف فضيل الإيمان بأنه قول وعمل وقرأ: (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ))[البينة:5]). فهذه -كما قلنا- كان الإمام الشافعي يرى أنها أقوى في الدلالة على بطلان مذهب المرجئة ، وكذلك يرى الفضيل رحمه الله. يقول: (فقد سمى الله عز وجل ديناً قيماً بالقول والعمل) يعني: سمى الله ذلك دين القيمة بالقول والعمل لا بالقول وحده فعبدوا الله ظاهراً وباطناً مخلصين له الدين، فجاءوا بأعمال القلب وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وهذه أعمال جوارح. قال: (فالقول الإقرار بالتوحيد والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ، والعمل أداء الفرائض واجتناب المحارم). يعني أن القول هو الإقرار والتصديق القلبي، والعمل هو أداء الفرائض واجتناب المحارم، والفرائض منها ما هو ظاهر ومنها ما هو باطن، والمحارم منها الكبائر الظاهرة، مثل الزنا والخمر، ومنها الكبائر الباطنة التي لا يتنبه لها كثير من الناس، مثل الكبر والعجب والحسد والرياء والنفاق القلبي. فهناك كبائر ظاهرة وكبائر باطنة، وهناك واجبات ظاهرة، مثل بر الوالدين والحقوق التي شرعها الله وجعلها على عباده، وهناك واجبات باطنة، مثل محبة المسلمين، والموالاة، والخوف، والرجاء، والتوكل، فهذه واجبات باطنة أصلها لا بد منه، ومنها ما هو مستحب؛ لأنها تزيد وتنقص. وإن مما يخطئ فيه كثير من المسلمين أنهم لا يفطنون للكبائر الباطنة، فلو عرض على أحدهم الدنيا كلها ليشرب الخمر لم يشربها، وهذه نعمة من الله لأنه لا يرتكب هذه الكبيرة، لكنه يمكن أن يغتاب أخاه أو يحسد أخاه المسلم، ويتلبس بهذه الكبيرة الباطنة ولا يرى أنه مذنب ولا يرى أنه فعل شيئاً، وهذا خطر على دينه، والكبائر كلها خطر، لكن الكبائر الباطنة عادة ما تدعو إلى الكبائر الظاهرة، فلو أن مسلماً يحسد أخاه المسلم؛ فإن هذا الحسد يؤدي به إلى أن يغمزه ويلمزه ويغتابه، وربما آذاه وجر له مصيبة.