يقول الإمام عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة: (وجدت في كتاب أبي) لأن الإمام أحمد له كتاب خاص هو كتاب الإيمان الذي أشرنا إليه سابقاً، وهذا الكتاب موجود ضمن مسند الخلال في مجلد ضخم، ولو حقق لكان عدة مجلدات.
يقول: (وجدت في كتاب أبي: أخبرت أن الفضيل بن عياض قرأ أول الأنفال حتى بلغ: (( أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ))[الأنفال:4] ثم قال حين فرغ: إن هذه الآية تخبرك أن الإيمان قول وعمل، وأن المؤمن إذا كان مؤمناً حقاً فهو من أهل الجنة).
فالمؤمن حقاً له صفات، وعاقبته وخاتمته هي الجنة، ففي هذا تنبيه على أن الذي يقول: أنا مؤمن حقاً كأنما يقول: أنا من أهل الجنة، ولهذا لا يقل أحد: أنا مؤمن حقاً، وله أن يقول: أنا مؤمن على سبيل الإخبار فقط، وأفضل من ذلك أن يقول: آمنت بالله كما سيأتي في كلام الفضيل بن عياض .
قال: (فمن لم يشهد أن المؤمن حقاً من أهل الجنة فهو شاك في كتاب الله مكذب، أو جاهل لا يعلم، فمن كان على هذه الصفة فهو مؤمن حقاً مستكمل الإيمان، ولا يستكمل الإيمان إلا بالعمل، ولا يستكمل عبد الإيمان ولا يكون مؤمناً حقاً حتى يؤثر دينه على شهوته).
يريد رحمه الله أن يربط العمل بالإيمان حقيقة، فـ لا يمكن لأحد أن يكون مؤمناً حقاً حتى يؤثر دينه على شهوته، وهذا واضح، فأكثر ما يكب الناس في النار هو الشهوات؛ لأن النار حفت بالشهوات.
قال: (ولن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه، يا سفيه! ما أجهلك؛ لا ترضى أن تقول: أنا مؤمن حتى تقول: أنا مؤمن حقاً مستكمل الإيمان!) يخاطب الناس الذين ظهروا في زمانه، حيث كان الصحابة والتابعون يتحرجون من أن يقول أحدهم عن نفسه: أنا مؤمن، فهؤلاء جاءوا فقال أحدهم: أنا مؤمن حقاً، وقال الآخر: أنا مؤمن مستكمل الإيمان وبعضهم يقول: إيماني كإيمان جبريل وميكائيل، ويقصدون مجرد المعرفة أو الإقرار في نظرهم.
يقول: (يا سفيه! ما أجهلك؛ لا ترضى أن تقول: أنا مؤمن حتى تقول: أنا مؤمن حقاً مستكمل الإيمان! والله لا تكون حقاً مستكمل الإيمان حتى تؤدي ما افترض الله عليك، وتجتنب ما حرم الله عليك، وترضى بما قسم الله لك، ثم تخاف مع هذا ألا يقبل الله عز وجل منك).
هذا هو الإيمان حقيقة، أن تؤدي ما افترض الله عليك، وأن تجتنب ما حرم الله عليك، وترضى بما قسم الله لك، وتخاف مع هذا العمل والرغبة والرهبة والطاعة أن لا يتقبل الله منك.
أما قول: (أنا مؤمن كامل الإيمان) أو (أنا مؤمن حقاً) فلا يقوله أحد عرف حقيقة الإيمان.