المادة    
ثم احتاج الناس إلى أن يعرفوا الدين بتعريفٍ جامع مانع يبينون به حقيقته، ويفرقون به بين حقيقته الشرعية وبين أقوال أهل البدع المختلفة، من خوارج و مرجئة وغيرهم، وهنا تظهر هذه الآية العظيمة التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله )، وأولى الناس بهذا الوصف هم صحابة رسول الله والتابعون، فلا منجى لأحد ولا نجاة له إلا باتباع طريقتهم، فهي مثل سفينة نوح عليه السلام من ركب فيها نجا ومن حاد عنها هلك وغرق.
فكان الذي حصل أنه جاءت هذه الفتن، وكان العلماء الذين تلقوا العلم بأسلوب الحكمة لا بأسلوب التعريفات الاصطلاحية منتشرين في الآفاق، في خراسان وفي بلاد ما وراء النهر والعراق ومصر والجزيرة واليمن ، ولولا وحدة المنهج ووحدة التربية ووحدة التلقي لرأينا عجبا من الاختلاف، لكن الذي وجدنا هو أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم، أجمعوا في هذه المسألة على كلام يكاد يكون ألفاظاً واحدة، وإن زاد بعضهم بعض الألفاظ لم يخرج عما قال الآخرون أبداً، دون أن يتفقوا فيما بينهم، أو يتكاتبوا أو يتواصوا؛ لأنها حقائق واضحة وتربية واحدة ومنهج واحد، فالموقف لابد من أن يكون واحداً.
وهذه إحدى العلامات التي يجب أن نعلمها وأن نستدل بها لـ أهل السنة في جميع الأزمنة، وفي جميع العصور، وهي أنك تجد المنهج واحداً، فلو تكلم فلان ثم تكلم فلان لا تجد اختلافاً إلا فيما يختلف فيه البشر عادةً من أسلوب العرض أو الطريقة، لكن الهدف واحد.
أما أهل الأهواء فهم مختلفون مضطربون هائجون مائجون لا يقر لهم قرار -والعياذ بالله- ولا يجمعهم جامع، وهذا من عاجل عقوبتهم.
فالمهم أنه اتفقت كلمة سلف الأمة على أن الإيمان قولٌ وعمل، وقال بعضهم: يزيد وينقص، وهذا معلوم، وذكر بعضهم بعض القيود الأخرى التي سنبينها إن شاء الله.
والمقصود أنهم أجمعوا على هذا، وسنأتي -إن شاء الله- أولاً بنماذج من هذا الإجماع، ثم نبين حكم المخالف وشبهة المخالف بعد أن نشرح هذا التعريف -إن شاء الله تعالى- شرحاً كافياً وافياً.