المادة    
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلا زلنا في حديث الولي، وقد توقفنا عند قوله: ( وما ترددت في شيءٍ أنا فاعله... )، وبقية الحديث فيه مبحثان: أحدهما: عقدي، والآخر: عادي، نشرحه كما نشرح غيره.
فمن الناحية العقدية ما يتعلق بموضوع التردد في قوله: ( وما ترددت في شيءٍ أنا فاعله، ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، هو يكره الموت وأنا أكره مساءته )، وهذا التردد من ضمن الصفات التي جاءت في الأحاديث، وقد اختلف فيها الناس، بل الذي جاء في القرآن من آيات الصفات وقع فيها الخلاف في الأمة، فأما السلف الصالح فإنهم يجرونها ويمرونها على ظاهرها، مع اعتقاد أن الله تبارك وتعالى لا شبيه له ولا مثيل، قال تعالى: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))[الشورى:11]، فيثبتون الصفة وينفون التمثيل، ولا يثبتون لله تبارك وتعالى صفة نقص أبداً؛ لأنه لا يمكن أن يأتي نص -سواءً كان آيةً أو حديثاً- فيه إثبات صفةٍ فيها نقص لله عز وجل بأي وجه من وجوه النقص، ولهذا إذا جاء أحد وقال: إن هذا الحديث أو إن هذه الآية يلزم من إثباتها أو يلزم من إمرارها على ظاهرها إثبات النقص لله، فنقول: لا يمكن ذلك؛ لأنك جئت بمعنىً فهمته من الآية أو الحديث وهو غير مراد منه، وإما أن يكون النص -لا سيما إذا كان في الأحاديث- غير صحيح أو الحديث مكذوب، أما أن يثبت شيء عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون فيه نقص لله تعالى، فلا يمكن وصف الله عز وجل بأي شيء فيه عيب أو نقص، إنما قد يظن بعض الناس أن في إثبات شيءٍ ما نقص وليس كذلك، ومن ذلك إثبات التردد لله سبحانه.
ونحن نقرأ من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله، وكما تعلمون أن كتابه فتح الباري كتاب عظيم وجليل القدر، بل لا نظير له في بابه، ولكن أعظم ما يؤخذ عليه هو ما يتعلق بأمور العقيدة، ولذلك يحتاج إلى أن ينقح وينقى ويميز ما فيه، والكتاب في جملته لا يمكن الاستغناء عنه، ولكن هذه الأمور العقدية لابد أن يعلَّق عليها وينبه إليها.