المادة    
يقول: وأما ما رواه الفقيه أبو الليث السمرقندي . وهو من أئمة الحنفية المشهورين، وقد ترجم له الشيخ الأرنؤوط في الحاشية، فقال هو: نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي الحنفي، والكلام منقول من سير أعلام النبلاء الجزء السادس عشر، ويسميه الأحناف: إمام الهدى، وهو لقب عندهم، ومن الألقاب عندهم أيضاً: الإمام الأعظم، صاحب كتاب: تفسير القرآن، وله كتاب وعظي مملوء بالأحاديث الضعيفة، بل فيه من الموضوعات والواهيات، وهو كتاب: تنبيه الغافلين ، وهو يكثر في الأسواق ويشتريه العامة ويقرءونه، توفي سنة (375هـ)، أي: أنه يعد متقدماً نسبياً، يقول رحمه الله: حدثنا محمد بن الفضل و أبو القاسم الساباذي ، قالا: حدثنا فارس بن مردويه ، قال: حدثنا محمد بن الفضل بن العابد ، قال: حدثنا يحيى بن عيسى ، قال: حدثنا أبو مطيع ... إلى أن قال: فقد سئل شيخنا الشيخ عماد الدين بن كثير رحمه الله تعالى عن هذا الحديث. وهذا من الأدلة على أن الشيخ علياً بن أبي العز شارح هذه العقيدة -الشرح الطيب المبارك- من تلاميذ الإمام الحافظ الجليل المشهور المفسر عماد الدين بن كثير رحمه الله تعالى، صاحب التفسير ، وصاحب التاريخ المشهور، وهو من أعمدة الفكر السلفي ودعوة أهل السنة والجماعة الذين عاشوا وتأثروا بالصحوة الكبرى التي أيقظها في الأمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فـابن أبي العز من الجيل الثالث بعد جيل شيخ الإسلام رحمه الله، وهذا الجيل جيل ما بعد التتار، أو نقول: صحوة كبرى بعد غزو التتار عمت العالم الإسلامي في العراق و بلاد الشام و مصر ، صحوة كبرى علمية ظهرت على أثرها الكتب المشهورة الكبيرة التي ما زال المسلمون إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة لا يستطيعون أن يستغنوا عنها، فظهر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وظهر الحافظ المزي ، والحافظ الذهبي ، والحافظ ابن كثير ، و ابن القيم ، و ابن رجب ، وهؤلاء العمالقة كلهم كانوا بـالشام ، وظهر كذلك في مصر بعد ذلك الإمام ابن حجر ، و العيني ، ثم السيوطي ثم من شابههم، حتى في كتب الأدب والتاريخ، التأليف الذي يسمونه بلغة المترجمين المعاصرين: التأليف الموسوعي، والصحيح أن يقال: المعالم -جمع: معلمة- أو المعلمة أو الموسوعة أو دائرة المعارف الكبرى، كما يسميها الغربيون، والتأليف قد أخذ طابعاً وتوسعاً كبيراً، فأصبحت المؤلفات تشمل فنوناً شتى، حتى كتب الأدب مثل: صبح الأعشى ، فتجد فيه العجب من أنواع العلوم والمعارف في خزانة الأدب وفي غيرها من الكتب، فالتوسع الذي شهده هذا القرن علمياً ودعوياً وجهادياً كان توسعاً هائلاً وكبيراً، ومن فضل الله تبارك وتعالى على هذه الأمة أنه إذا نزلت بها هزيمة أو ضربة ساحقة ماحقة قوية فإنها تستيقظ وتعود أقوى مما كانت؛ ولذلك لا نكره وقوع مثل هذه الهزائم، بل لا نكره أن يتألب عليها الأعداء وأن يجتمعوا عليها؛ لأنها لا ترجع إلى ربها وإلى دينها ولا تفيق وتصحوا وتبدأ في الجهاد والعلم الصحيح الجاد إلا بعد أن تتعرض لمثل هذه الضربات، وهذا هو الواقع في تاريخنا، فبعد الحروف الصليبية جاءت صحوة عظيمة كان فيها نور الدين ، و صلاح الدين ، و ابن قدامة و ابن الصلاح و النووي و المقدسي ، وأمثالهم من الأئمة الذين كانوا عمالقة في العلم وفي الجهاد، وذلك بعد أن بلغت الأمة الحضيض بقدوم التتار، فكانت الصحوة بعد ذلك أسلم وأنقى وأصفى من التي قبل؛ لأن الأمة بلغت من الهبوط والانحطاط والضعف والخذلان مرحلة الصفر، ولله تعالى في ذلك حكمة، وكأن الأمة إذا بلغت مرحلة ليس بعدها مرحلة في الهبوط تكون اليقظة أنقى وأسلم وأصدق أيضاً وهذا ما كان -والحمد لله- عندما قام شيخ الإسلام رحمه الله بدعوته، فقامت معه الأمة، وكثير ممن لا يمكن أن نحصيهم ممن نصروا دعوته من علماء المسلمين شرقاً وغرباً، وإن كانت الحكومات والسلاطين والمتعصبون من الفقهاء وأمثالهم قاوموا دعوة الشيخ، لكن من تأمل في كتاب منهاج السنة -الطبعة القديمة- إلى الأشعار وإلى الأخبار التي في أوله يجد أن علماء من اليمن ، وعلماء من العراق وغيرها كتبوا في الثناء عليه، وكتبوا في رثائه وفي تأييده رحمه الله، فقامت هذه الصحوة الطيبة المباركة من آثار علمه، فقوله هنا رحمه الله: فقد سئل شيخنا الشيخ عماد الدين بن كثير . دليل واضح على تتلمذه على يد الشيخ ابن كثير ، وقد ظهرت آثار هذه التلمذة -والحمد لله- في هذا الفكر السلفي النقي؛ لأن الحافظ ابن أبي العز حنفي، وكان يسمونه: قاضي القضاة، أي: كبير القضاة في الدولة، وأبو الليث السمرقندي كان حنفياً أيضاً، ومقتضى التمذهب ولا سيما في تلك العصور أن يكون الشيخ ممن يعظم ويمجد ويتبع كلام من تقدمه من أئمة المذهب، أو يغض النظر عنه، أما أن يذكره وينقده ويبين ما فيه، ثم يحتج عليه بكلام إمام شافعي وهو الإمام ابن كثير رحمه الله، فهذا دليل على الإنصاف والتجرد الذي هو من أثر التلمذة على مثل هؤلاء الرجال الذين علموا الأمة أن الحق فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحيين: الكتاب والسنة، وليس في التعصب لآراء الرجال، ولا في التقليد المذهبي الأعمى.
  1. علل حديث: (الإيمان مكمل...)

  2. كلام العلماء في متن حديث: (الإيمان مكمل في القلب...)