المادة    
قد يقول قائل: ما تقولون فيمن قال: الإيمان إقرار وعمل، أو تصديق وعمل؟ ما المراد بالإقرار؟ وما المراد بالتصديق؟
والجواب: أنه قد ورد عن بعض السلف أن الإيمان تصديق أو إقرار مع العمل؛ ولا بد من معرفة التصديق في الكتاب والسنة وكلام السلف في لغة العرب.
والحقيقة المقررة المهمة التي لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان هي أن أي تعريف لأي أمر من أمور الدين يأتي في القرآن أو في السنة بلفظه وبيانه لا نحتاج معه إلى اللغة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله ليعلمنا الإيمان والدين بين ذلك ووضحه، فـجبريل عليه السلام -وهو الرسول الملكي- جاء بنفسه إلى الرسول البشري صلى الله عليه وسلم فقال له: ( أخبرني عن الإيمان؟ ) يعني: ما حقيقته؟ وما شرطه؟ وما معناه؟ وما حده؟ فبينه النبي صلى الله عليه وسلم.
فمع هذا البيان لا يحتاج إلى أن نقول: الإيمان في لغة العرب كذا، ولا بد من أن نفسر ما جاء في الشرع عن الإيمان بلغة العرب، فإما أن نقول: لا ننظر إلى اللغة ولا نحتاج إلى أن نستشهد بها مطلقاً، وإما أن نقول باعتبار آخر: إنه يمكن أن ننظر إلى اللغة ونقول: الإيمان في اللغة كذا، لكن الشارع الحكيم نقل المعنى اللغوي إلى المعنى الشرعي.
ومثال ذلك الصلاة، فهي في كلام العرب الدعاء، فإذا جاء أحد فقال: إذا كانت الصلاة هي الدعاء؛ فنحن نعرف الصلاة الشرعية بأنها الدعاء؛ لأنها كذلك في لغة العرب؛ فإنا لا نقبل منه ذلك.
وكذلك الحج، فهو في لغة العرب مجرد القصد، والعمرة في لغة العرب هي الزيارة، والزكاة في لغة العرب هي النماء، لكننا نجد في الشرع أن الحج أعمال كثيرة مختلفة، وأن العمرة أعمال مخصوصة معينة، والزكاة إخراج مبلغ مخصوص في زمن مخصوص لطائفة مخصوصة.
فكذلك الإيمان، فالإيمان في لغة العرب هو مجرد التصديق كما يقول القاضي الباقلاني إمام الأشعرية الكبير في كتاب التمهيد ، يقول: الإيمان هو التصديق، ودليل ذلك اللغة؛ فإن الناس يقولون: فلان يؤمن بالبعث أي: يصدق.
ونقول: لماذا تقول: إن الناس يقولون، ولا نكتفي بكون النبي صلى الله عليه وسلم قال لـجبريل كذا؟! فالإيمان واضح في القرآن وواضح في السنة، ولو كان في اللغة كذلك، فإنه في الشرع قد انتقل إلى معنى آخر.