قال (وقال
الفضيل : يقول أهل البدع: الإيمان الإقرار بلا عمل، والإيمان واحد) أي: شيء واحد (وإنما يتفاضل الناس بالأعمال ولا يتفاضلون بالإيمان). وهذه مثل عبارة الإمام
الطحاوي رحمه الله؛ إذ وقع في هذا الخطأ الذي سوف نناقشه إن شاء الله ونرد عليه، ولهذا أطلنا في هذا لنبين خطأه في أن الناس إنما يتفاضلون في الخشية والتقوى. يقول
الفضيل : هذا قول أهل البدع، يقولون: إن الإيمان الإقرار بلا عمل، والإيمان واحد، وإنما يتفاضل الناس -في نظرهم- بالأعمال ولا يتفاضلون بالإيمان. يقول: (فمن قال ذلك فقد خالف الأثر ورد على رسول الله قوله؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (
الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) وتفسير من يقول: الإيمان لا يتفاضل يقول: إن فرائض الله ليست من الإيمان، فميز أهل البدع العمل من الإيمان)، ففرقوا بين العمل وبين الإيمان، وقالوا: إن فرائض الله ليست من الإيمان. قال: (ومن قال ذلك فقد أعظم الفرية) يعني: افترى فرية عظيمة (أخاف أن يكون جاحداً للفرائض راداً على الله أمره) يعني أن هذا الكلام يخشى على قائله أن يكون في الحقيقة جاحداً للفرائض، فإذا كان لا يعمل أي عمل ويقول: الإيمان في القلب وهو الاعتقاد والإقرار؛ فهو في -الحقيقة- كمن ينكر الفرائض، أي: ينكر أنها واجبات، فما الفرق بينه وبين من يقول: إنها مجرد نوافل وليست فرائض؟! فهذا لا يعمل وهذا لا يعمل، وذاك يقول: الإيمان في القلب، وهذا يقول: الإيمان في القلب، وهذا خطر عظيم على إيمان العبد. قال: (ويقول
أهل السنة : إن الله عز وجل قرن العمل بالإيمان، وإن فرائض الله من الإيمان، قال تعالى: ((
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ))[البقرة:82]) وكثيراً ما يأتي في القرآن هذا العطف: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ). قال: (فهذا موصول العمل بالإيمان، ويقول أهل الإرجاء: إنه مقطوع غير موصول). فالفرق بين الطائفتين أن
أهل السنة يقولون: إن عطف العمل على الإيمان موصول، أي: أن يصدق بقلبه فيعمل بجوارحه.قال رحمه الله تعالى: (وقال
أهل السنة : ((
وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ))[الإسراء:19] فهذا موصول)، يعني: متلازمان، فيعمل وهو مؤمن. قال: (وكل شيء في القرآن من أشباه هذا فـ
أهل السنة يقولون: هو موصول مجتمع). يعني: متلازمان مجتمعان لا ينفصلان أبداً، (وأهل الإرجاء يقولون: بل هو مقطوع متفرق) فالإيمان عندهم شيء، والعمل شيء آخر. يقول: (ولو كان الأمر كما يقولون لكان من عصى وارتكب المعاصي والمحارم لم يكن عليه سبيل وكان إقراره يكفيه). وما أكثر من يقول اليوم بفكرة الإرجاء في الأرض وإن لم يعرف عن
المرجئة شيئاً، لكنه يعتقد ذلك بقوله: نحن -والحمد لله- مؤمنون، ولسنا كفاراً، فكلما أنكرت عليهم منكراً واجهوك بمنكر أكبر، وهذا المنكر الأكبر أنهم يزكون أنفسهم ويصرون على ذنوبهم بهذه الدعوة. فنقول لهم: نحن لا نتكلم عن كونكم مسلمين أو كفاراً، بل نقول: هذا المنكر عملتموه، وهذا الواجب أو الفريضة تركتموها، وهذه المنكرات ارتكبتموها. فيقولون: نحن مسلمون ومؤمنون. ولو كان كذلك لكان الإقرار يكفي عن العمل. قال: (فما أسوأ هذا من قول وأقبحه؛ فإن لله وإنا إليه راجعون). نعم إنه لقول قبيح، وإن أثره في الأمة لغاية في السوء وفي تدمير مقومات الإيمان ومقومات الحياة التي لا تكون حقيقية إلا بالإيمان. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.