الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:فإن الموضوع الذي نشرع فيه مهم وخطير وجدير بنا جميعاً أن نعيه وندركه، وإن كان فيه شيء من الصعوبة أو الغموض في بعض مسائله؛ لأنه قضايا عقلية أو نقاش لأناس يجادلون بالعقل بزعمهم، لكن لا بد أن نستشعر أهميته، وأن ندرك ضرورته، وأنه لا ينبغي لطالب علم يريد أن يذب ويذود عن عقيدة السلف الصالح، فيدفع شبهات المتكلمين والمبتدعة إلا ويكون لديه الحظ الوافر من معرفة هذه القضايا التي سوف نتحدث عنها بإذن الله تبارك وتعالى، فأساس موضوعنا هو موضوع العقل والنقل، أو مصدر التلقي، أو مصدر المعرفة، أو مصدر العقيدة بين العقل -كما يزعمون- وبين النقل، فهي قضية فكرية عظيمة، والخلاف فيها قديم، وأكثر ضلال من خرج عن الصراط المستقيم من هذه الأمة هو بسببها، لا سيما بعد القرن الثاني عندما ترجمت كتب الفلسفة والمنطق، وركن الناس إليها، وتركوا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إلا من حفظهم الله تبارك وتعالى وهم
أهل السنة والجماعة الذين جعلهم الله عز وجل ظاهرين، قائمين بالحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وكل ما نعلمه من أحداث تاريخية كبرى عقدية فإنما موضوعها أو أصلها أو مرجعها هذه المسألة، فمثلاً: قضية خلق القرآن، والفتنة الكبرى التي حدثت به، وامتحان الأمة به، وتعذيب الإمام
أحمد رحمه الله تعالى، أصلها هذه القضية، كذلك ما حدث بعد ذلك من قيام دول
الروافض و
الباطنية ، فقد قامت على أساس عقلي، فـ
الباطنية بكل طوائفها قامت على أساس عقلي -كما تزعم- أو أساس فلسفي، ولذلك كتبوا كتابهم المعروف:
رسائل إخوان الصفا ؛ ليحل محل القرآن، وليأخذوا منه بدل الأخذ من الوحي: القرآن والسنة، و
شيخ الإسلام رحمه الله إنما أوذي وجاهد وصابر من أجل هذا الأمر، فهو يريد من الناس أن يأخذوا دينهم من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، وأما أولئك فيقررون هذه المناهج العقلية البدعية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإذا تتبعنا تاريخ
المعتزلة أو
الأشعرية أو
الماتريدية فإنا نجد هذا واضحاً أيضاً، وكذلك الفرق الأخرى كـ
الرافضة الشيعة على اختلاف طوائفها، وكذلك
الخوارج ومن بقي منهم على مذهب
المعتزلة ، فهم في هذا الباب أيضاً يرجعون إلى نفس الأصل العقلي المزعوم، حيث يعارضون كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بما يدعون أنه عقليات، أو قواعد عقلية، أو براهين قطعية أو قواطع عقلية أحياناً، إلى آخر هذه الألفاظ والمصطلحات.