قال رحمه الله تعالى:
[وأجاب الزمخشري بجوابين آخرين باطلين] وهذا من التكلف -والعياذ بالله- الذي ذمه الله: ((
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ))[ص:86]، و
الزمخشري إمام من أئمة
المعتزلة، لقب بجار الله؛ لأنه جاور بـ
مكة حتى توفي بها، ولهذا رثوه الشعراء فقالوا:
وأرض مكة تذر الدمع مقلتها حزناً لفرقة جار الله محمود واسمه:
جار الله محمود بن عمر الزمخشري ، وتفسيره المعروف:
الكشاف ، فقد ذكر فيه الاعتزال، وذكر هذا الكلام في الجزء الثالث من
الكشاف، فيقول
الزمخشري رحمه الله جواباً عن هذه الآية:
[وهما أن يكون الملك قد قاله!] ونعوذ بالله من هذا التكلف، أي: أن الله تعالى يقول: ((
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ))[الفتح:27] فقال الملك: (إن شاء الله)،
[فأثبت قرآناً] قال:
[أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي قاله] فأثبت قرآناً؛ لا يمكن أن يقول الله: إن شاء الله، إذ إن الله عالم، وبالتالي تكون هذه من كلام الملك، أو من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس بلازم أنه أراد أن غير القرآن أدخل في القرآن، فيمكن أن يقول: إن الله أقره فأصبحت قرآناً، كما في قول
عمر رضي الله عنه: ((
فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ))[المؤمنون:14]، لكن لم نخرج من المشكلة، ويلزم من هذا باطل عظيم، وهو أن يكون من القرآن ما ليس منه، وهذا هو ما ذكره الشارح رحمه الله -في نسخة أخرى- بعد هذا فقال:
[فعند هذا المسكين يكون من القرآن ما هو غير كلام الله، فيدخل في وعيد من قال: (( إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ))[المدثر:25] نسأل الله العافية] فهذا الكلام مذكور في بعض النسخ أنه من كلام المؤلف، وفي بعض النسخ أنه من تعليق بعض النساخ، وهي عبارة واضحة.وهناك طوائف تقول: إن كلام الله هو القائم بنفسه، وأما هذا الذي نقرأه ونسمعه فهو عبارة أو حكاية عن كلام الله، وهذا قول أكثر
الأشعرية ، أي: أنهم يقولون: إن كلام الله هو المعنى القائم بالنفس، أما الألفاظ أو الحروف أو الأصوات فهي حكاية أو عبارة عنه، فقيل: من الحاكي؟ ومن المعبر؟ قالوا: إما جبريل، وإما محمد صلى الله عليه وسلم، فيكون الله خلق الحروف والأصوات في جبريل أو في محمد؛ فلهذا يجمعون بين كلام السلف وكلام
المعتزلة فيقولون: مخلوق وغير مخلوق! كيف؟ قالوا: إذا أردنا المعنى القائم بنفسه فغير مخلوق، وإذا أردنا المكتوب في الصحف المحفوظ في الصدور فهو مخلوق؛ لأنه حكاية أو عبارة، والكلام عندهم: هو الكلام النفسي كما قال الشاعر -كما يزعمون-:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً فقالوا: هذا البيت يدل على أن الكلام هو ما في النفس، وأن ألفاظه مجرد تعبير، فكذلك كلام الله، وهذا قياس الخالق على المخلوق. فإذاً: كلام الله هو المعنى القائم بنفسه، وأما ما يقرأه القراء ويكتبوه ونسمعه، فهذا كما قال الله تبارك وتعالى: ((
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ))[التوبة:6]، أي: يسمع حكاية عن كلام الله، أو عبارة عن كلام الله، والدليل على أنه من كلام جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: الله تعالى يقول: ((
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ))[الحاقة:40]، ففي إحدى الآيتين أنه جبريل، وفي الأخرى أنه محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فإما هذا وإما هذا، أو هما معاً، وقالوا: إن معنى قوله تعالى: ((
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ))[الحاقة:40] أي: أن الذي أوحاه أو بلغه ليس كاهناً ولا شاعراً ولا شيطاناً، قال تعالى: ((
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ *
تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ))[الشعراء:221-222]، إنما هو قول رسول كريم، فالذي ألقاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو الرسول الكريم، وكونه رسولاً وكونه كريماً وكونه ملكاً وكونه الروح القدس يستحيل أن يكذب، وأن يفتري على الله، وما جاء جبريل يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا كلامي، وإنما يقول: هذا كلام الله، وكلامهم هذا باطل وواضح -إن شاء الله- التناقض والبطلان في غير هذا كما قد أوضحناه سابقاً، إنما المراد هنا بيان مناقضتهم لعقيدة السلف، عقيدة
أهل السنة والجماعة ، وخروجهم عن حد المنقول والمعقول، فهذا هو القول الذي قالوه، ووافقهم عليه
الزمخشري ، ولكن من وجه آخر.