الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد قال
ابن أبي العز: (فمن أدلة الأصحاب لـ
أبي حنيفة رحمه الله: أن الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق) -وهذه هي الشبهة الأولى- (قال تعالى خبراً عن إخوة يوسف: ((
وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ))[يوسف:17]، أي: بمصدق لنا، ومنهم من ادعى إجماع أهل اللغة على ذلك، ثم هذا المعنى اللغوي) -وهو التصديق بالقلب- هو الواجب على العبد حقاً لله -وهذه هي الشبهة الثانية- وهو أن يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند الله، فمن صدق الرسول فيما جاء به من عند الله، فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى، والإقرار شرط إجراء أحكام الإسلام في الدنيا. هذا على أحد القولين كما تقدم -وهذه هي الشبهة الثالثة- ولأنه ضد الكفر، وهو التكذيب والجحود، وهما يكونان بالقلب، فكذا ما يضادهما، وقوله: ((
إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ))[النحل:106]، يدل على أن القلب هو موضع الإيمان، لا اللسان، ولأنه لو كان مركباً من قول وعمل -وهذه هي الرابعة- لزال كله بزوال جزئه، ولأن العمل قد عطف على الإيمان -وهذه شبهة العطف- والعطف يقتضي المغايرة، قال تعالى: ((
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ))[البقرة:25] وهي الخامسة في البقرة وغيرها في مواضع من القرآن.إذاً: هذه الخمس الشبهات أو الأدلة: فأولاً: اللغة.ثانياً: أن المعنى اللغوي وهو مجرد التصديق بالقلب هو المطلوب، وأن النطق مجرد شرط لإجراء الأحكام أو علامة.ثالثاً: أنه يعرف بنقيضه وضده، فالكفر لما كان هو التكذيب والجحود -في نظرهم- فيكون الإيمان هو مجرد الإقرار والتصديق.رابعاً: أننا إذا قلنا: بالتركيب، أي: أن الإيمان مركب من قول وعمل؛ فإنه يزول كله بزوال جزئه، وقد تحدثنا أيضاً عن موضوع التركيب، وقولهم: إن المركبات تزول أسماؤها بزوال أجزائها.خامساً: هو أشبه ما يكون باللغة أيضاً أي: يكاد أن يكون استدلالاً لغوياً، ألا وهو العطف، إذ إن الله تبارك وتعالى عطف العمل على الإيمان في آي كثيرة من القرآن، فقال تعالى: (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ويقولون: إن العطف في اللغة للمغايرة، فالمعطوف غير المعطوف عليه، وعلى هذا يكون العمل غير الإيمان.