ونحن قبل ذلك نريد أن نقول: إنه بهذا التقسيم نعرف
المرجئة . و
المرجئة الغلاة ، فإذا ذكروا
المرجئة في كلام السلف، وفي ترجمة الإمام
البخاري في
الصحيح ، وفي كلام الإمام
أحمد، وفي كلام
وكيع و
سفيان و
عبد الله بن المبارك ، و
سعيد بن جبير و
ثابت و
أيوب وغيرهم من العلماء فالمقصود بهم:
المرجئة الحنفية الذين يرون الإيمان على عضوين، فيخرجون عمل الجوارح، و
المرجئة الغلاة الضابط والعلامة
للمرجئة الغلاة أنهم يجعلون الإيمان على عضو واحد، فلذلك نحن لا نسميهم
مرجئة إلا إذا قلنا: الغلاة؛ لأن العلماء في الغالب في القديم لا يقولون:
مرجئة غلاة ، وإنما يقولون:
المرجئة و
الجهمية كما في كلام
سفيان ، فمثلاً نقول: تقول
مرجئة الدين كذا أو الإيمان كذا، وتقول
الجهمية : الإيمان كذا، وما سموهم
مرجئة ، وإنما سموهم
الجهمية ، لكن نحن نقول: ما دام الاصطلاح قد انتشر وصار ظاهراً معلوماً متداولاً فنجعلهم
المرجئة ، و
المرجئة الغلاة ، إذاً إذا وضعنا هذا الضابط فـ
الماتريدية و
الأشعرية من
المرجئة الغلاة ؛ لأنهم يقولون: الإيمان على عضو واحد وهو القلب فقط، و
الكرامية كذلك، فهم يردون على
الكرامية ، و
الفخر الرازي له كتب وأكثر ما أمضى فيه
الفخر الرازي وأفنى حياته ومجادلاته كانت مع
الكرامية ، ومع
ابن الهيصم وأتباعه؛ لأنهم عندهم
مرجئة غلاة ، فهم يقولون: الإيمان هو قول اللسان، ونحن بهذا بالتقسيم -وهو تقسيم منطقي فطري سليم- تبين لنا أن الطائفتين غلاة معاً، فهؤلاء غلاة وهؤلاء غلاة، لكن هؤلاء جعلوه ما يقوم باللسان، وأولئك جعلوه ما يقوم بالقلب، أي: عمل واحد من أعمال القلب، وأولئك جعلوه نطقاً أو إقرار اللسان، فإذاً حتى
الفخر الرازي -وهو إمام
الأشعرية المتأخر، وكل من جاء من بعده آخذ منه- هو في الحقيقة من الغلاة وإن كان يرد أو يتخيل إليه أنه ينقد مذاهب
المرجئة الغلاة وهم
الكرامية، حيث إنه أمضى أكثر كتبه وأكثر عمره في الرد عليهم.إذاً بهذا نعرف
المرجئة من
المرجئة الغلاة ، وهذا ضابط سهل إن شاء الله، ويبقى المذهبان الأوليان: مذهب
أهل السنة والجماعة ، ومذهب الإمام
أبي حنيفة رحمه الله، فنقول: المذهبان بينهما فروق، وهنا يأتي الإشكال الذي وقع فيه الشارح رحمه الله، وهو أنه قد يتخيل إلى من ينظر أن اللقاء سهل، وأن الخطب هين، وأن الخلاف ضيق، فيمكن أن يكون المذهبان كالمذهب الواحد، وأيضاً لو جاء آخر يمكن أن يبين أن بينهما فرقاً كبيراً، والشارح رحمه الله بما أنه حنفي، والإمام صاحب متن
الطحاوية حنفي، وهما محبان للسنة ولمنهج السلف، يحاولان أو يريدان أن يظهرا أن المذهبين قريبان، وأن الخلاف ضيق، وإن كان الكلام في الأخير لا يسعف بهذا، لكن هي محاولة للتقريب، وهذه المحاولة تفيد أو تجدي في الرد على الغلاة فقط، في إلزام الغلاة الذين غلوا وانتسبوا مع ذلك إلى الإمام
أبي حنيفة ، فيأتي واحد ماتريدي ويقول مثلاً: الإيمان هو ما في القلب فقط، فنقول له: أين بعدك عن الإمام
أبي حنيفة ؟ فيقول:
أبو حنيفة خالف ما جاء عن السلف، فيقال له: الخلاف بينه وبين السلف محدود أو ضيق في كذا، لكن أنت ابتعدت، لكن في الحقيقة لا بد أن يوضح الخلاف والفرق كما هو؛ لأن -وهذا ضابط-
كل ذم ورد في كلام السلف الصالح للمرجئة أو الإرجاء فالمقصود به: الفقهاء الحنفية، وبهذا نستطيع أن نعرف أن السلف الصالح -وهم أفقه الناس، وأعلم الناس- ما اتخذوا هذا الموقف إلا والأمر أخطر من أن يكون مجرد خلاف صوري أو لفظي، لكن مع ذلك نحن نأخذ كلام الشيخ رحمه الله على ظاهره ونبين لماذا قال هذا؟