المادة    
يقول المصنف رحمه الله: (ولهذا -والله أعلم- قال الشيخ رحمه الله: (وأهله في أصله سواء) ) والمقصود بهذا التفاوت مع إقرار الأصل، وهو أن الخلاف قليل وهين، أي أن: الذي لا يغلو هذا الغلو فلا يقول: إيماني كإيمان جبريل، فالشيخ يرى أن هذا لا بأس به، وأن الخلاف بينه وبين أهل السنة قليل هين، لكن الذي يقول ذلك غال، ومن أجل ذلك كانت عبارة الطحاوي رحمه الله: (وأهله في أصله سواء)، فهو ما قال: وأهله فيه سواء، ولو كان قال هكذا لجاء من يقول: إن إيماني كإيمان جبريل، والطحاوي معنا في ذلك، لكنه ما قال: وأهله فيه سواء، وإنما قال: (وأهله في أصله سواء)، يقول: (يشير إلى أن التساوي إنما هو في أصله، ولا يلزم منه التساوي من كل وجه).
ونحن نقول: إن هذه العبارة لنا عليها ملاحظ، وحتى تستقيم العبارة إما أن نقول: وأهله فيه سواء. فتستقيم العبارة على مذهبه؛ لأنه يرى أن أهل الإيمان في الإيمان سواء، وأما أن تكون: وأهله في أصله سواء، ويتفاضلون بالخشية والتقى. فتصير العبارة فيها اضطراب، وأما العبارة التي لو صحت ستستقيم وستوافق مذهب أهل السنة والجماعة ، فهي أن نقول: كان عليه رحمه الله أن يقول: وأهله يتفاضلون فيه، أي: أثبت الزيادة والنقصان وعليه يكون قد وافق أهل السنة والجماعة .
إذاً فعليه أن يقول: الإيمان قول وعمل وأهله يتفاضلون فيه، فإذا قال ذلك أصبح على عقيدة أهل السنة والجماعة ، أما بقاؤها هكذا فلا.
يقول الشيخ -هذه عبارات عظيمة جداً وقد مرت-: (بل تفاوت نور لا إله إلا الله في قلوب أهلها لا يحصيه إلا الله تعالى) أي: لا يمكن أن يكون الناس في الإيمان سواء أبداً؛ لأن الإيمان هو نور لا إله إلا الله في القلوب.
ثم قال: (فمن الناس من نورها في قلبه كالشمس) وهؤلاء هم الذين بلغوا حقيقة الإيمان، أي: الملائكة والأنبياء والمرسلون، وأبو بكر و عمر رضي الله عنهما وهكذا، وقوله: (كالشمس) لا تعني المساواة من كل وجه؛ فإن شمساً أقوى من شمس، لكن المقصود أنهم أهل الدرجة الكاملة العليا في هذا.
قال: (ومنهم من نورها في قلبه كالكواكب الدري) أي: أقل من الشمس، ولكنه أقوى من سائر الكواكب.
قال: (وآخر كالمشعل العظيم) أي: كالمشعل من مشاعل الدنيا، لكن ذاك كوكب دري في السماء عامة.
قال: (وآخر كالسراج المضيء، وآخر كالسراج الضعيف) فتتفاوت أنوار لا إله إلا الله وحقيقة الإيمان في قلوب أهله.
قال: (ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار) وهذا يكون عند الصراط عندما تكون الحالة التي تفرق بين المؤمنين والمنافقين، فيقول المنافقون: انظرونا -أمهلونا- نقتبس من نوركم! الآن تسألون المؤمنين الإمهال والإنظار من النور، ألم نكن معكم في الدنيا سواء في المساجد أو في الجهاد؟ وبالتالي فالمنافقون الأولون خير من منافقي آخر الزمان والعياذ بالله؛ لأن المنافقين الأوائل كانوا يشاركون في الجهاد والإنفاق! فما قال الله عنهم إنهم لا يتصدقون عليكم، وإنما قال: (( وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ))[التوبة:54]، ولم يقل: لا يصلون، وإنما قال: (( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى ))[النساء:142]، ولم يقل: إنهم لا يخرجون، وإن كان منهم من يتخلف، لكن قال: (( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا ))[التوبة:47]، فهم قد يخرجوا، لكن لو خرجوا فهذا حالهم، إذاً كل هذه الأعمال كان المنافقون يشاركون فيها المؤمنين، فلما جاء الفصل من الله تبارك وتعالى بين الحق والباطل، بين النور والظلام، فإذا بالمنافقين في ظلام مطبق دامس لا يستطيعون أن يروا طريقاً، والمؤمنون يسعى نورهم بين أيديهم وعن أيمانهم، وهذا النور يتفاوت أهله فيه، ويتفاوتون في جواز الصراط وعبوره بحسب أعمالهم، فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم كالريح الشديدة، ومنهم كالخيل وكأشد ما يكون الإنسان جرياً، ومنهم من يمشي، ومنهم من يتعثر، ومنهم من يسقط. ‏
  1. أثر نور كلمة التوحيد في القلب على الشبهات والشهوات

  2. ما يترتب على معرفة تفاوت نور لا إله إلا الله في القلوب