المادة    
بعد أن ذكر المصنف رحمه الله الأدلة النقلية على إثبات العلو، انتقل بعد ذلك إلى الأدلة العقلية التي تؤيد مذهب أهل السنة والجماعة في هذه القضية المهمة.
يقول المصنف رحمه الله:
[ولا ريب أن الله سبحانه لما خلق الخلق، لم يخلقهم في ذاته المقدسة -تعالى الله عن ذلك- فإنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، فتعين أنه خلقهم خارجاً عن ذاته، ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات، مع أنه قائم بنفسه، غير مخالط للعالم، لكان متصفاً بضد ذلك، لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده، وضد الفوقية: السفول، وهو مذموم على الإطلاق؛ لأنه مستقر إبليس وأتباعه وجنوده.
فإن قيل: لا نسلم أنه قابل للفوقية حتى يلزم من نفيها ثبوت ضدها، قيل: لو لم يكن قابلاً للعلو والفوقية، لم يكن له حقيقة قائمة بنفسها؛ فمتى أقررتم بأنه ذات قائم بنفسه، غير مخالط للعالم، وأنه موجود في الخارج، ليس وجوده ذهنياً فقط، بل وجوده خارج الأذهان قطعاً، وقد علم العقلاء كلهم بالضرورة أن ما كان وجوده كذلك، فهو: إما داخل العالم، وإما خارجٌ عنه، وإنكار ذلك إنكار ما هو أجلى وأظهر الأمور البديهيات الضرورية بلا ريب، فلا يستدل على ذلك بدليل إلا كان العلم بالمباينة أظهر منه، وأوضح وأبين، وإذا كان صفة العلو والفوقية صفة كمال، لا نقص فيه، ولا يستلزم نقصاً، ولا يوجب محذوراً، ولا يخالف كتاباً، ولا سنة، ولا إجماعاً، فنفي حقيقته يكون عين الباطل والمحال الذي لا تأتي به شريعة أصلاً.
فكيف إذا كان لا يمكن الإقرار بوجوده وتصديق رسله، والإيمان بكتابه وبما جاء به رسوله إلا بذلك؟! فكيف إذا انضم إلى ذلك شهادة العقول السليمة والفطر المستقيمة، والنصوص الواردة المتنوعة المحكمة على علو الله على خلقه، وكونه فوق عباده، التي تقرب من عشرين نوعاً]
ا.هـ
الشرح:
بعد أن ذكر المصنف رحمه الله تعالى أن الأدلة النقلية كثيرة على إثبات علو الله وفوقيته سبحانه وتعالى فقال: [ومن سمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام السلف، وجد منه في إثبات الفوقية ما لا ينحصر] وقلنا: إن ابن القيم رحمه الله ذكر أن أدلة إثبات العلو تعد بالمئات بل بالألوف.. بعد ذلك أراد أن يوضح المسألة توضيحاً عقلياً، ويرد رداً عقلياً على من ينكرون علو الله تبارك وتعالى أو يؤولونه، وهذه الأدلة إنما هي للاستئناس وللتأييد، لا أنها أدلة مستقلة برأسها، فنحن موقنون -والحمد لله- بأن المصدر الذي يؤخذ منه الدين والإيمان والعقيدة هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه السلف الصالح في أصول العقيدة.
ومن فضل الله تبارك وتعالى أن ما يقرره العقل الصريح والفطرة السليمة لا يعارض إثبات العلو إطلاقاً، ولهذا فلدينا استعداد كامل بأن نرد على المبتدعة رداً عقلياً في إنكارهم أي صفة ينكرونها، وإن كنا لا نجعل ذلك مصدر الأخذ والتلقي بالنسبة لأخذ العقيدة وتلقيها، ولا نجعله وسليتنا الوحيدة في دفع الشبهات وردها، لكن نقول: من نعمة الله سبحانه وتعالى أن أهل السنة لهم الحجة الظاهرة على كل فرقة مخالفة، سواء كانت الحجة نقلية أو عقلية، فإذا ما ذكر المبتدعة أوهاماً ظنوها حججاً عقلية لهم، فإن علماء أهل السنة يأتون بالحجج العقلية التي لا يمكن للخصم المجادل أن ينكرها أو أن يكابر في قبولها.
  1. المخلوقات خارجة عن الذات المقدسة ومباينة لها

  2. نفي العلو يستلزم إثبات ضده