البيان: يتشدق الأمريكيون بالقيم الأخلاقية وحقوق الإنسان التى تأسست عليها حضارتهم؛ فهل هذه القيم والحقوق حاضرة حقاً في السياسة الأمريكية، وخاصة في علاقتهم بالشعوب المستضعفة؟
الجواب: الكلام عن القيم قد يفضي إلى متاهة فلسفية لا حاجة للقراء بها؛ فلْنتناولْها من جهة الممارسة والتطبيق؛ فقد أُسِّست
الولايات المتحدة على قيم مزدوجة بين الديني المغالي، والنفعي البحت. وتركزت القيم الدينية في فئات محدودة ثم في ولايات محددة أيضاً؛ كما كان للقيم النفعية فئاتها ومراكزها، وظل التوازن بينهما معقولاً إلى الحرب العالمية الأولى حين خرجت
أمريكا عن حيادها وعزلتها؛ ومن هنا بدأت سياستها تخرج تدريجياً عن القيم الأخلاقية حتى وصلت إلى الهوة الهائلة القائمة اليوم؛ لكن الشعب الأمريكي في ضميره ظل حريصاً على قيمه بل متعصباً لها حتى ثورة المعلومات المعاصرة، ولما كان المفكرون أسبق الناس للتنبؤ بسقوط القيم؛ فقد بدأ هذا التشاؤم منذ أكثر من نصف قرن لا سيما في الروايات ثم تبعتها المؤلفات الفلسفية السياسية الناقدة، وكان مقتل «كندي» علامة فاصلة لانتصار قوى الضغط الخفية «شركات بيع السلاح» ومن هنا ظهر النقد الحاد للحكومة ووصفها بالإمبراطورية العسكرية كما في كتاب: «
ماذا يريد العم سام؟» لـ
نعوم تشومسكي؛ حيث استطاع المؤلف أن يبرز منهج السياسة الأمريكية البعيد جداً عن القيم الأخلاقية في شكل نظرية مختصرة: «إن أي نجاح أو فرصة للاستقلال عن خدمة المصالح الأمريكية في أي بلد من العالم لا بد من مواجهته ولو أدى ذلك إلى استخدام القوة المسلّحة» وأثبت أن أكثر من نصف دول العالم كانت مسرحاً لتنفيذ هذه السياسة، والذريعة الدائمة كانت مكافحة
الشيوعية، وبعد سقوط
الشيوعية حل الإسلام تلقائياً محلها، وأصبح شعار مكافحة الإرهاب هو البديل، وانكشف الانحياز
للصهيونية بشكل فاضح، وصاحب ذلك انهيار أخلاقي هائل في قيم الأسرة والتعامل عامة، وتهافتت رموزها ابتداء من «الرئيس الأب أو راعي القيم كما كان يقال» ومروراً بالقسيس الفاجر وانتهاء بالجيل الجديد الذي فتح عينيه على ثورة المعلومات، حيث بلغت نسبة المواقع الإباحية التي يدخلها الأمريكان على شبكة المعلومات العالمية 09% من مجموع المواقع.
وبإجمال نستطيع القول إن السياسة الأمريكية تتردى في الحضيض من جهة القيم، وأن المجتمع الأمريكي مقبل على انهيار سريع ومخيف بهذا الشأن؛ فلو أن أعدى عدو لـ
أمريكا أنفق البلايين للدعاية ضدها لما استطاع أن يغير نظرة العالم إليها إلى الحد الذي فعلته هي بنفسها، وهذا بالنسبة لنا -نحن المسلمين- نصر عظيم؛ ومع ذلك يستدعي واجباً عظيماً هو نشر الدعوة في تلك البلاد واستنقاذ أهلها من الظلمات والجحيم؛ فلا نجاة لهم إلا بالإسلام، وسجونهم أحد الشهود على هذا؛ وبذلك نكسب ما هو أعظم من دفع شرهم عن الإسلام وهو تسخير قوتهم لخدمته.