الثانية عشرة: إن التضييق الذي تمارسه أكثر الحكومات العربية على الشعوب هو سبب رئيس في تعاطفها المطلق مع كل ما يصدر عن هؤلاء، وإمدادهم بمزيد من الأفراد وقد صرحت المصادر الغربية نفسها بهذه الحقيقة منها ( الواشنطن بوست بعد الحادث بخمسة أيام فقط) وقد جاء الدليل على هذا جلياً بعد الانتفاضة المباركة، حين أوذي بعضهم بسبب إبداء رأيه في الأحداث، أو توزيع فتاوى عن مقاطعة الشركات الأمريكية، فما كان منه إلا أن فارق البلد وخرج للجهاد، وبقدر ما تعطي الحكومة في أي بلد الفرصة للإنكار على ما يجري في فلسطين وغيرها وحرية الاحتجاج والتعبير، وإيصال المساعدة للمجاهدين هناك ونصرتهم- بقدر ذلك تكون قد تجنبت تفريخ الخلايا الانتقامية التي لا تستشير ولا تبالي بالإقدام على أي عمل كبير أو صغير، وقد أثبتت الحوادث المتكررة أنهم إذا قالوا فعلوا وإذا توعدوا وَفَوا، وهم أناس يفرغون أنفسهم لما نذروها له، ويجتهدون في الإخلاص فيه، ويكثرون من الدعاء والتضرع، ويدعو لهم صالحو المسلمين في كل مكان، وهم مع هذا مضطرون مكروبون بما جرى لهم وما يجري لأمتهم، فتأتي أعمالهم بما يشبه المعجزات سواءً في أفغانستان أو في الشيشان أو في الصومال أو في كشمير أو في البوسنة، وإذا صح أن ما حدث من تفجيرات في الخبر وعدن وشرق إفريقية وأمريكا من أعمالهم فهي شواهد أخرى.
إن الانفتاح على هؤلاء، وإتاحة الحرية لهم في عرض ما لديهم، ومحاورتهم على ضوء قاعدة المصالح والمفاسد الشرعية هو الحل الصحيح والوحيد، وإلا فسندخل في متاهة لا قرار لها، ولا أدل على ضرورة هذا من معرفة أسباب تسرب الغلو في الفكر والعمل إلى بعضهم كما سنعرضه مجملاً في الفقرة التالية.
وأول ما يجب المبادرة إليه بهذا الخصوص: تغيير الخطاب الدعوي والخطاب الإعلامي الرسمي من النمطية التقليدية، إلى العرض الصريح الواعي لأسباب المشكلة، والنظر العادل إلى القضية وبيان مسئوليتنا جميعاً: الحكومة، والدعاة، والمربين، والمجتمع عن كل ما حدث ويحدث، على ضوء الكتاب والسنة، وبما يخدم مصلحة بلادنا وأمنها اللذين يجب أن ننشغل بهما عن الانسياق وراء الإعلام الأمريكي وغيره في الحديث عن مصلحة أمريكا وأمنها.
لقد شن العدو علينا حرباً نفسية منهجية، ووُجِدَ فينا سماعين لـه مروجين لمفاهيمه ومصطلحاته، وإلا فمتى كان البنتاجون (بريئاً) وهو بتعبير المفكر الأمريكي الشهير غور فيدال وأمثاله -بل عند العامة هناك- (وكر جهنم) أو (وكر المؤامرات الشريرة في العالم) أو (عش الشياطين) فضلاً عن كونه أكبر هدف عسكري في العالم. وقالوا مثل ذلك عن وكر الجاسوسية، وعش المافيا، ومركز الربا، وغسيل الأموال، أعني مركز التجارة العالمية!!
إن الإعلام الأمريكي نفسه لم يستخدم هذا المصطلح إلا بعد الحادث، ونقلناه نحن هنا بلا تحفظ، فوصم بعض كتابنا وخطبائنا إخوانهم المتهمين في الحادث بكل عيب وشين، وأسبغوا البراءة على من لا يدعي براءته أحد من قومه.
إن أمريكا في كل حروبها، ومنها هجومها الأخير على أفغانستان تعلن أنها تستهدف الأهداف العسكرية، ومعها أهداف أخرى مثل خزانات الوقود ومحطات الكهرباء ومراكز التموين والإمداد وهذه الأخيرة عمالها مدنيون غالباًَ، وقد أهلكت قرية بكاملها قرب جلال أباد وأحياء سكنية في كابل، وما سمعنا أحداً أنكر عليها ممن رفعوا عقيرتهم بالحديث عن أبرياء أمريكا!! وكأن بعض المسلمين يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين أمريكا، نعوذ بالله من المسخ والخذلان.